تشهد مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة وضعاً إنسانياً متدهوراً، حيث يعيش محمد شراب، وهو أب لأربعة أطفال، يوميات من الجوع والعوز. بعد ساعات من الانتظار في طابور طويل أمام المخبز الوحيد في المدينة، يعود شراب إلى منزله خالي الوفاض، حيث لم ينجح في الحصول على الخبز بسبب نقص حاد في الإمدادات. يعبر شراب عن قلقه ومعاناته، إذ لم يتذوق وأسرته طعم الخبز الجيد منذ أسبوعين، ويضطرب بحثاً عن قطع طحين سيئة الجودة لتوفير الطعام لأبنائه. يعاني أكثر من مليوني فلسطيني في القطاعات الجنوبية والشمالية من نقص حاد في المواد الغذائية، وهو وضع تفاقم بعد إغلاق معبر كرم أبو سالم ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
تسجل طوابير المخابز في خان يونس مشاهد مؤلمة، حيث يتكبد المواطنين مشقة الانتظار للحصول على الخبز. يضطر مواطنون مثل شراب إلى السير مسافات طويلة في ظل الازدحام والمشادات اليومية أمام المخابز. يشير إلى أن الاحتلال يستغل الأزمة الغذائية كسلاح ضد الشعب الفلسطيني، مما يزيد من تدهور الأمور داخل المجتمع. تمثل المساعدات الغذائية المتاحة في التكايا الخيرية المصدر الوحيد لكثيرين، بيد أنها غير كافية لتلبية احتياجاتهم المتزايدة. يؤكد أن العديد من الأسر تعاني من مجاعة حقيقية وتساءل عن ظروف النازحين في مناطق أخرى.
تفيد التقارير بارتفاع الأسعار بصورة جنونية، فقد زادت تكلفة الدقيق بشكل مذهل، حيث انعدم وجوده في الأسواق. تضطر الأسر إلى دفع أثمان باهظة للحصول على الخبز، وهو ما يستحيل على الكثيرين تحمله. يُذكر أن سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوجرامًا قد ارتفع إلى نحو 250 شيكل (67 دولارًا) في ظل الظروف الحالية، بينما كان قبل الأزمة يُباع بنحو 10 شيكلات فقط (3 دولارات). هذا يشير إلى الضغوط المالية التي تتحملها الأسر التي فقدت مصادر رزقها خلال الحرب، مما يزيد من معاناتها.
تتضاعف المعاناة جراء استغلال التجار للأزمة، حيث يقوم بعضهم بشراء الخبز من عند المخابز وإعادة بيعه بأسعار مرتفعة. أحدهم يوضح أنه لا يستطيع دفع ثمن الخبز حتى بعد البحث في الطوابير. تعاني الأسر من ضغوط جمة، حيث يُحجم الكثيرون عن شراء الطعام بسبب ارتفاع الأسعار. يزداد الوضع سوءاً عندما يتذكر المتحدثون الأزمات وأثر المجاعة على سلامة عائلاتهم. يؤكد الكثيرون على ضرورة فتح المعابر ورفع الحصار للتمكن من الحصول على الإمدادات الغذائية الأساسية.
تشير التقارير الإنسانية إلى أنه حتى مع الاقتناع بأن الأوضاع الإنسانية أصبحت كارثية، فإن المساعدات لا تصل بالسرعة المطلوبة بسبب القيود الإسرائيلية المستمرة. يتم تقييد حركة دخول المساعدات إلى المنطقة بشكل كبير، مما أثّر سلبًا على عمليات الإغاثة التي تطلقها المنظمات الإنسانية. يتحدث مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” عن المعوقات التي تعرقل دخول المساعدات، مشيرًا إلى أن هذا جزء من سياسة التجويع المتبعة من الاحتلال.
تبين الأرقام أن أكثر من 1.8 مليون شخص يعيشون وضع انعدام شديد للأمن الغذائي، مما يُعد مؤشراً مقلقاً عن مستقبلعيش الفلسطينيين في هذه المنطقة. يعيد هذا الوضع إلى الأذهان الأحوال التي عاشوها في بداية النزاع، حيث تعاني الأسر من نقص الغذاء الحاد وسوء التغذية. تدعو المنظمات الدولية على استمرار الحاجة إلى المساعدات، محذرة من تفاقم الوضع إذا لم تتوفر إمدادات كافية. في ختام الوضع القائم، يبقى الأمل معلقاً على فتح المعابر وتحقيق السلام لتحسين حياة هؤلاء المواطنين.