في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان منذ بداية الحرب في أبريل 2023، تظهر التكايا كمنارات للأمل والتكافل المجتمعي. تعكس تجربة “زينب”، التي تعيش في أم درمان، معاناتها اليومية في الاعتماد على تكية الحي لإطعام أطفالها التسعة، الأبعاد الإنسانية للأزمة. فهي لم تتمكن من طهي الطعام في منزلها بسبب نقص الموارد، مما دفعها للجوء إلى التكية التي تؤمن لها ولأبنائها وجبات الفطور والغداء. تعكس هذه الحالة واقع 97% من السكان الذين يواجهون مستويات خطيرة من الجوع، في ظل التحذيرات المتزايدة من المنظمات الإنسانية، التي تشير إلى أن نحو 25 مليون شخص يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي.

تعمل التكايا، التي أصبحت ملاذًا للنازحين والمتضررين، على تقديم الوجبات الطبية بما يشمل الحساء والفول المصري والعدس. تكية “مسيد شيخ الأمين” في حي بيت المال بأم درمان تعتبر نموذجًا يحتذى به، حيث تقدم الطعام والدواء لنحو 5000 شخص، منذ أن تم تأسيسها في 1992. ساعدت هذه التكية في توسيع خدماتها بشكل ملحوظ بسبب تدفق المتضررين من الحرب، رغم الظروف المعقدة التي تواجهها، بما في ذلك شح الغذاء والدواء وارتفاع أسعار السلع.

ومع تناقص التمويل ونقص الدعم بسبب أعمال النهب المستمر، تبدو التكايا في خطر، حيث توقفت معظم المطابخ عن العمل في بعض المناطق، مما يهدد الأمن الغذائي لآلاف الأسر. على الرغم من تلك التحديات، لا تزال تكية “فكة ريق” تسعى لتقديم المساعدات من خلال دعم النساء الناشطات اقتصاديًا وإنشاء مشاريع انتاجية، ما يعكس روح التعاون والتكافل داخل المجتمع السوداني.

يرى العديد من الخبراء أن التكايا ليست ظاهرة جديدة، بل هي تتجذر في تاريخ الإسلام في السودان، حيث كانت تأسست كمراكز دينية واجتماعية منذ دخول الإسلام للبلاد. يرتبط وجود التكايا بشيوخ الطرق الصوفية، ومؤسسات تحفيظ القرآن، وتقديم المساعدة للمحتاجين، مما يدعم الفكرة القائلة بأن المجتمع السوداني دائمًا ما يتوجه نحو التكافل والمساعدة.

أصبحت التكايا خلال الأزمة مصدرًا رئيسيًا لإعاشة كثر من الأسر المحرومة، حيث فقد العديد من الناس مصدر رزقهم بسبب النزاعات المسلحة والنهب. يشير الكاتب الصحفي محمد مصطفى جامع، إلى أن هذه التكايا تعكس روح التلاحم والمساعدة المتبادلة في المجتمع السوداني، الذي برهن على قدرته على التكيف مع الظروف الصعبة.

في هذا السياق، ترتفع أعداد المستفيدين من التكايا، حيث أفاد وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم بأن 75 ألف شخص تلقوا الوجبات حتى الأسبوع الماضي، مما يعكس الدور الحيوي الذي تلعبه التكايا للاستجابة للاحتياجات المتزايدة في ظل تفاقم الأوضاع. مع تزايد الهجمات على القرى، يتوقع المزيد من المواطنين التوجه إلى التكايا للحصول على المساعدة، مما يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها البلاد.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version