غزة- تعرضت شابة فلسطينية في نهاية العقد الثالث من عمرها لنوبة مرضية حادة نتيجة إصابتها باضطراب ثنائي القطب، مما أدى لتصرفها بصورة غير لائقة داخل مخيم الإيواء الذي كانت تقيم فيه جنوب قطاع غزة.

وشتمت الشابة ذويها ومن حولها، ودخلت في نوبة صراخ دون تمكنهم من السيطرة عليها.

ومع تهاوي مبنى مستشفى الطب النفسي في مدينة غزة منذ الشهر الأول للعدوان الإسرائيلي على القطاع، تُركت الحالات المرضية المزمنة تتألم دون رعاية.

وتعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي تدمير المستشفى الوحيد المتخصص في قطاع غزة الذي يقدم خدمات المبيت للمرضى النفسيين الذين يعانون من انتكاسات نفسية حادة، مما شكّل خطورة على حياتهم وباتوا يواجهون مصيرا مجهولا.

وألقت الحرب الإسرائيلية على غزة عبء المرضى النفسيين على ذويهم، الذين اضطروا للتناوب على مراقبة سلوكهم وحالتهم النفسية وتحمل الكثير من مصاعب التعامل معهم، في الوقت الذي ازدادت حالتهم سوءا بفعل القصف والمواقف المؤلمة التي تعرضوا لها.

تهاوى مبنى مستشفى الطب النفسي في مدينة غزة منذ الشهر الأول للعدوان الإسرائيلي على القطاع (الجزيرة)

أعراض خطيرة

سارع والدا الشابة المصابة باضطراب ثنائي القطب للبحث عن مكان يقدم علاجا نفسيا لابنتهما التي انقطعت عن المتابعة مع الأطباء المختصين نتيجة الحرب على قطاع غزة، حتى وصلا إلى عيادة حكومية ميدانية تقدم خدمات الطب النفسي.

خضعت المريضة للمتابعة الطبية لأكثر من 6 ساعات، حصلت خلالها على الأدوية المهدئة قبل أن تعود لخيمتها بسبب خروج مستشفى الطب النفسي المخصص للمبيت عن الخدمة، ولم يعد هناك من يتابع حالتها النفسية على مدار الساعة.

وإلى العيادة ذاتها وصل شاب في الثلاثين من عمره لديه أفكار انتحارية، حيث تستدعي حالته المكوث داخل المستشفى تحت المراقبة، لكن تدميرها حال دون ذلك، مما دفع الأطباء للتعامل معه ميدانيا، رغم أن علاجه يحتاج وقتا لسريان مفعوله.

دراسة في غزة كشفت أن 87% من الأطفال يظهرون خوفا شديدا (الجزيرة)

ويشير الأطباء الذين أطلعوا الجزيرة نت على تفاصيل الحالات السابقة إلى أن أصحاب هذه الأمراض لا يمكن أن يتركوا وحدهم لأنهم يؤذون أنفسهم والآخرين، كما أن معاناة المرضى النفسيين الذين يصنفون تحت إطار الحالات المزمنة كبيرة جدا، وتحتاج عناية خاصة داخل المستشفى.

ولفت هشام المدلل، مدير دائرة التخطيط وتطوير الصحة النفسية بوزارة الصحة إلى معاناة ذوي المرضى النفسيين بسبب تدمير مستشفى الطب النفسي وعدم وجود أماكن لمبيت الحالات المرضية المزمنة.

وقال في حديث مع الجزيرة نت “لا يستطيع ذوو المرضى السيطرة عليهم بسبب الانتكاسة التي تعرضوا لها، وفي كثير من الأوقات افتقدنا الأدوية الخاصة بهم ولا سيما الحقن طويلة الأمد، مما ضاعف من أعباء المحيطين بالمريض، خاصة في ظل النزوح وحالة عدم الاستقرار”.

بحث عن بديل

أنشئ مستشفى الطب النفسي عام 1980 في حي النصر بمدينة غزة، بهدف تقديم خدماته العلاجية للمرضى النفسيين في مختلف محافظات القطاع.

وتبلغ السعة الاستيعابية للمستشفى 30 سريرا للمبيت، علاوة على المترددين عليه بشكل يومي، حسب هشام المدلل.

وأوضح المدلل، في حديث للجزيرة نت، أن المستشفى سجل في عام 2022، الذي سبق الحرب على غزة، دخول 719 حالة مبيت لمستشفى الطب النفسي، وذلك من بين 3500 مريض كانوا قد ترددوا عليه طلبا للعلاج.

وبحسب المدلل فإن الوضع الصادم في قطاع غزة والذي تزامن مع نقص أدوية الأمراض النفسية أدى لانتكاسات خطيرة لدى المرضى، الذين زاد ترددهم على عيادات الطب النفسي.

ويعتقد، المتحدث ذاته، أن عدد المرضى النفسيين في قطاع غزة في ارتفاع نظرا لآثار الحرب الكارثية على الفلسطينيين الذين تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، مرجحا أن الحالات التي باتت تحتاج إلى مبيت في مستشفى خاص بالطب النفسي ارتفعت إلى 900 حالة سنويا، بمعدل 3 حالات يوميا، ومع ذلك لم تعد الخدمات متوفرة كالسابق.

وشدد المدلل على أن الحاجة لدخول المستشفى يأتي نتيجة تهيج المريض بسبب تطور حالته الصحية، والتي تصل لأفكار انتحارية، مما يستدعي خضوعه لعلاج مكثف للسيطرة عليه.

من جهته، قال الدكتور خليل الدقران الذي شغل منصب مدير عام الصحة النفسية بوزارة الصحة إن هناك جهودا حثيثة تبذلها منظمة الصحة العالمية مع مؤسسة العون الطبي للفلسطينيين (MAPUK) لتجهيز قسم مبيت خاص بمرضى الأمراض النفسية في عيادة مسقط بمنطقة قيزان النجار جنوب مدينة خان يونس.

وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن محاولات أخرى تجري لإنشاء مستشفى ميداني بمدينة غزة خاص للأمراض النفسية، في إطار تقديم خدمة أفضل للمرضى الذين ازدادت أعدادهم بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version