مراسلو الجزيرة نت
كابل– انخفاض الغطاء الثلجي بنسبة 30% على سفوح جبال بامير وهندوكوش، أو ما يُسمى “خزان المياه” في أفغانستان، يشكل تهديدا لمصادر المياه الأساسية التي يعتمد عليها السكان في الري وإنتاج الغذاء، وينذر بكارثة إنسانية مستقبلا في حال لم يتم التعامل مع هذه المشكلة.
وقد دفع هذا التهديد منظمةَ الأغذية والزراعة (فاو) -التابعة للأمم المتحدة- إلى التحذير من أن تغير المناخ يشكل تهديدا كبيرا للأنهار الجليدية بأفغانستان، مؤكدة أن الحفاظ على هذه الأنهار يجب أن يكون جزءًا من خطط مكافحة تغير المناخ.
ويُعد ذوبان الأنهار الجليدية وتغير المناخ في أفغانستان أزمة صامتة لا تحظى بالاهتمام الكافي بسبب الأزمات السياسية والإنسانية. ورغم أنها تعد من بين أكثر البلدان عرضة لتأثيرات تغير المناخ، فإنها تساهم بشكل ضئيل جدًا في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقد أدت هذه التغيرات المناخية، إلى جانب زيادة حالات الجفاف والتصحر، إلى تدهور القدرة على الحصول على المياه النظيفة، الأمر الذي دفع المنظمات الدولية إلى مطالبة أفغانستان بضرورة اتباع نهج حذر تجاه البيئة.
أنهار جليدية تتلاشى
يقول خبير شؤون المياه نجيب الله سديد إن الأنهار الجليدية تشكل 0.4% من إجمالي مساحة أفغانستان، حيث تضم 3891 نهرا جليديا، يقع 92% منها في نهر آمو (جيحون) و8% في نهر كابل، ورغم أن المياه التي توفرها الأنهار الجليدية ليست كبيرة، إلا أنها تعد المصدر الأساسي للمياه في فصل الصيف، خاصةً عند انخفاض تساقط الثلوج والأمطار.
ويضيف سديد -في حديث للجزيرة نت- أنه مع تزايد درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ، تذوب الأنهار الجليدية بسرعة، مما يفاقم أزمة المياه في أفغانستان.
وقد شهدت أفغانستان على مدار العقود السبعة الماضية زيادة مقلقة في متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.8 درجة مئوية، وهو ضعف المعدل العالمي، كما تصنّف بأنها سابع أكثر الدول تأثرا بتغير المناخ عالميًا، حيث تواجه تحديات كالجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى.
ويوضح الخبير أن نحو 14% من الأنهار الجليدية في أفغانستان اختفت بين عامي 1990 و2015، مما أدى إلى تكوُّن بحيرات جليدية قد تتسبب في فيضانات مدمرة عند انفجارها، خاضة وأن التوقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستواصل الارتفاع بوتيرة أسرع مقارنة بالمتوسط العالمي خلال العقود المقبلة.
وتُعد أفغانستان من الدول الأكثر عرضةً لتأثيرات تغير المناخ، حيث احتلت مركزا متقدما في تقارير منظمة المخاطر العالمية وصندوق السلام والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ووفقًا لأرقام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يعاني 33 مليون شخص في أفغانستان من نقص في الحصول على مياه شرب آمنة، كما أن أكثر من 20 مليون شخص يعانون من حالة طوارئ غذائية بسبب الجفاف والكوارث الطبيعية المستمرة.

واقع متدهور
يقول مصدر حكومي -فضّل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن الأفغان يعانون من الأزمات البيئية والاقتصادية، حيث إن 8 من كل 10 أشخاص لا يحصلون على مياه شرب آمنة، كما يعيش حوالي 93% من الأطفال في مناطق عرضة لخطر الكوارث الطبيعية، وتفتقر 92% من المدارس إلى مرافق غسل اليدين الأساسية، مما يزيد من تفشي الأمراض المرتبطة بالمياه.
ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن حكومة حركة طالبان تواجه تحديات كبيرة في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تفتقر إلى التمويل والتكنولوجيا والخبرات اللازمة لمواجهة أزمة معقدة مثل تغير المناخ، وتركّز الحكومة في الوقت الحالي على القضايا الأمنية والاقتصادية الأساسية، بينما لا تعد البيئة أولوية قصوى.
ويرى داود كريمي الأستاذ في كلية الزراعة جامعة كابل أن الحكومة لم تقدم حتى الآن أي خطة لمعالجة أزمة تغير المناخ منذ توليها السلطة.
وأوضح -للجزيرة نت- أن الغطاء الثلجي في سفوح جبال بامير وهندوكوش انخفض بنسبة 30%، مما يقضي على فرصة تعافي الأنهار الجليدية، كما أن إجراءات حمايتها، مثل استخدام الأغطية الجيو تكسيلية، باهظة الثمن وتنفيذها صعب، وفي الوقت نفسه لا تضمن الحماية الكاملة للأنهار الجليدية من العوامل المناخية.
مشاكل خطيرة
ويعود الخبير سديد ليقول للجزيرة نت إن عددا من الأبحاث كشفت انخفاض تساقط الثلوج في أفغانستان، وإن الغطاء الثلجي في سفوح الجبال تراجع، مما يقضي على فرصة تعافي الأنهار الجليدية، مشددا على أن أفغانستان تعتمد بشكل كبير على الثلوج ومياه الأمطار، مما يؤدي إلى مشاكل خطيرة في ظل غياب البنية التحتية المناسبة.
وقد حصلت الحكومة على منحة بقيمة 10 ملايين دولار لمكافحة تغير المناخ، وهي خطوة تشير إلى نيتها التعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري، وتُخصص هذه المنحة لتمويل مشاريع بيئية، لكن نجاحها يعتمد على قدرة الحكومة على تنفيذ هذه المشاريع بفعالية.
ويقول أستاذ الزراعة بجامعة كابل عبد الله جلالي: إن الحكومة الأفغانية لم تعلن حتى الآن عن إستراتيجية شاملة لمعالجة الاحتباس الحراري، وهو أمر يتطلب خبرات عملية وسياسات طويلة الأمد قد لا تكون متوفرة حاليًا بشكل كافٍ.
ويضيف جلالي -للجزيرة نت- أن سياسة الحكومة الداخلية وعلاقاتها الخارجية تشكل عقبة أخرى، إذ إنه في حال عدم تعديلها سيكون من الصعب تحقيق تقدم كبير في هذا المجال.