يمثل الخطر السياسي المرتبط بالانتخابات مصدر قلق ملحوظ للمستثمرين في الأسواق المالية، خاصة في الأسواق الناشئة. بينما كان المستثمرون في الاقتصادات الكبرى سابقًا يركزون على سياسات محافظي البنوك المركزية بشكل أساسي، فقد اتخذت الأمور منحى مختلفًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. حيث بدأت أسعار الأصول في التحرك استجابة لاستطلاعات الرأي، تحت مصطلح “ترامب تريد”، الذي يشير إلى التوقعات الإيجابية المحتملة في سوق الأسهم الأمريكية في حالة فوز ترامب لفترة رئاسية ثانية، مع تأثيرات سلبية متوقعة على سندات الخزانة، إلى جانب تأثيرات إيجابية على الدولار.

تستند توقعات تجاوز فوز ترامب على أساس خفض الضرائب على الشركات وتخفيف القيود التنظيمية، ما قد يعزز مستويات الإيرادات للأسهم. ومع ذلك، يترافق هذا مع زيادة الأعباء على الحكومة، مما قد يؤدي إلى خفض أسعار السندات، وبالتالي رفع العائدات. ورغم هذه التغيرات المحتملة، يُتوقع أن هذه العناصر لن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الاقتصاد الأمريكي أو التأثير سلباً على عائدات الأسهم. وكل هذه العوامل قد تعزز قيمة الدولار، الذي سيتماشى مع عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات.

من المثير للإشارة إلى أن تزايد التدهور المالي وارتفاع الأسعار قد يكون له تأثير إيجابي على الدولار، وهو أمر قد يبدو غريبًا في عيونه. عادة ما تفقد العملات قيمتها في ظل ظروف مالية متدهورة ومعدلات تضخم مرتفعة، ولكن الدولار يبقى العملة المهيمنة في النظام المالي العالمي. ولذلك، فإن العائدات المرتفعة على سندات الخزانة تجعل الاحتفاظ بالدولار جذابًا، حتى في ظل ظاهرة الإسراف المالي. ويدعم هؤلاء الذين استثمروا في هذه الأصول فكرة استمرار هذه الديناميكية، كما أن تهديد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية قد يسهم في مزيد من ارتفاع قيمة الدولار.

بالرغم من هذه التوقعات، توجد عدة طرق قد تؤدي إلى إضعاف الدولار في ظل رئاسة ترامب، مما يستدعي مزيدًا من الحذر من “تداولات ترامب”. أولاً، يمكن أن يتبع ترامب سياسة نقدية أكثر تشددًا تجاه الاحتياطي الفيدرالي، إذ قد يسعى لخفض أسعار الفائدة بشكل مفرط، مما سيؤدي إلى ضعف الدولار. يجادل ترامب بأن قوة الدولار تُضر بالمصنعين وأثرها السلبي عليهم قد يسيء للعقود. هذا التوجه قد يتوافق مع مواقف مستشاريه، مثل روبرت لايتهايزر، الذي يعبر عن قلقه من قوة الدولار.

ثانيًا، تكمن المشكلة في أن الشكوى من قوة الدولار لا تعني بالضرورة إضعافه، إذ أن تعريفات ترامب الجمركية قد تكون بداية لمفاوضات دولية تهدف إلى خفض قيمة الدولار بشكل جماعي، مثلما حدث في الثمانينيات مع إدارة ريغان. وهذا يُظهر تعقيد العلاقة بين السياسة التجارية وقوة العملة. ثالثًا، تاريخيًا يميل تأثير المنازعات التجارية إلى إضعاف الاقتصاد المحلي، مما يؤدي في النهاية إلى خفض أسعار الفائدة وبالتالي ضعف العملة.

أخيرًا، فإن السياسة الخارجية تحتل دورًا مهمًا في تحديد قوة الدولار، حيث وجدت دراسات أنه إذا تخلت الولايات المتحدة عن تعهداتها الأمنية تجاه حلفائها، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة في سعر الفائدة الأمريكي وبالتالي انخفاض الدولار. تتجلى هذه الفكرة من خلال أبحاث بارى آيكنجرين، الذي أشار إلى أن الدول التي تستفيد من الضمان الأمني الأمريكي تحتفظ بنسب أكبر من احتياطاتها بالدولار، مما يبرز أهمية الاستقرار في العلاقات الدولية بالنسبة لقيمة العملة الأمريكية.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version