في ظل سعي إيطاليا لإعادة تعريف نفسها على الساحة الدولية، لا يزال الماضي الاستعماري يعكس تعقيدات حاضرها. على الرغم من دخولها الساحة الاستعمارية متأخرة مقارنة بجيرانها الأوروبيين، فقد تركت إيطاليا آثارًا عميقة وعنيفة في المناطق التي استعمرت بها، خاصة في أفريقيا، وطرحت قضايا متعددة تتعلق بالهجرة والهوية الوطنية والسياسة الخارجية. تعتبر التجربة الاستعمارية جزءًا من رحلة إيطاليا نحو تحقيق الحداثة والمكانة بين الدول الكبرى، والتي تزامنت مع تطورات السياسة الإيطالية في القرن التاسع عشر وما بعده.

تاريخ الاستعمار الإيطالي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين بدأت إيطاليا احتلال أجزاء من القرن الأفريقي. استحوذت على إريتريا عام 1889، ثم توسعت إلى الصومال. في عام 1896، واجهت إيطاليا هزيمة مذلة في إثيوبيا، لكنها تمكنت لاحقًا من غزوها في عام 1935. كانت ليبيا الطموح الأكبر لإيطاليا، إذ استولت عليها عام 1911، حيث استخدمت في ذلك إحدى أولى الضربات الجوية في التاريخ. ومع ذلك، كانت الحقبة الاستعمارية مصحوبة بالاستقرار النسبي ولكن أيضًا بالقمع العنيف، والذي انتهى بخسارة إيطاليا لمستعمراتها بعد الحرب العالمية الثانية.

كما أن تاريخ الفظائع المرتكبة أثناء الاستعمار الإيطالي يعكس العقلية الاستعمارية الجارية في تلك الفترة. خلال الحرب الإيطالية الإثيوبية الثانية، استعملت إيطاليا غاز الخردل ضد المدنيين الإثيوبيين. وفي ليبيا، تسببت الفظائع بأعداد هائلة من الضحايا، إذ انخفض عدد سكان البلاد بشكل حاد نتيجة التهجير والقتل الجماعي. وخلال تلك الحروب، كانت قوات الاحتلال تعمل على تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي، مما ساهم في تعزيز النزاعات المستقبلية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الروايات حول الاستعمار الإيطالي في التغير، حيث قدمت الطبقة الحاكمة الجديدة صورة “المستعمر الإيطالي الطيب”. تجاهلت هذه الرواية مسؤوليات إيطاليا الفعلية، واعتبرت أن الاستعمار كان مجرد نتيجة للفاشية. ومع ذلك، ظلّ موضوع الاستعمار مطروحًا للنقاش في الداخل الإيطالي ولكن بصعوبة، ولم تجري أي عملية سياسية أو فكرية لمناقشة الفظائع. كانت الحكومة تميل إلى النسيان الانتقائي للحقائق، ما أفضى إلى غياب الوعي الجماهيري حول تاريخ الاستعمار والطبيعة الحقيقية للجرائم المرتكبة.

ومع مرور السنوات، لم تُظهر إيطاليا اعترافًا حقيقيًا بما اقترفته من فظائع. وحتى في السنوات الأخيرة، عندما أقرّت الحكومة بأسفها للأعمال الاستعمارية، لم تكن هناك اعتذارات رسمية أو محاسبة للأفراد المتورطين في جرائم الحرب. وقد تجلى ذلك في المعاهدة التي أُبرمت عام 2008 مع ليبيا، التي اعتُبرت أداة لتعزيز النفوذ الإيطالي في المنطقة، بدلًا من عمل حقيقي لترتيب الماضي وتحقيق المصالحة.

اليوم، إيطاليا تواجه تحديات جديدة مع صعود الحركات اليمينية الشعبوية التي تعيد تقديم الاستعمار بطريقة تمجيدية. هذه الأحزاب تستخدم الاستعمار لتبرير مواقفها السياسية الحالية، خاصة في سياق قضايا الهجرة. تستخدم التوجهات الحالية الأساطير حول “إيطاليا الطيبة” لتعميق الانقسامات الداخلية وإعادة إنتاج سياسات تمييز ضد المهاجرين. على الرغم من تصاعد الأصوات المطالبة بمراجعة الماضي الاستعماري بشكل نقدي، فإن الواقع السياسي الحالي يجعل من الصعب التعامل بشكل فعال مع هذا الإرث المعقد.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.