تعد الصواريخ الباليستية من الأدوات العسكرية الحيوية التي تلعب دورًا محوريًا في الحروب الحديثة، حيث تتميز بقدرتها على توجيه ضربات مؤثرة بدقة عالية. أنظمة الصواريخ الباليستية تُعتبر إستراتيجية وذاتها الدفع، مما يمنحها قدرة مميزة على توصيل رؤوس حربية عبر مسار محدد مسبقًا يشبه القوس. يُعتبر هذا النوع من السلاح مثالياً في الحروب، نظراً لقوته التدميرية العالية وسهولة تصنيعه مقارنة بأنواع أخرى من الأسلحة. تعد الصواريخ ذات الوقود الصلب مفضلة من قبل الجيوش العالمية، لأنها تتمتع بسرعة إطلاق تتجاوز سرعة الصواريخ ذات الوقود السائل، مما يجعلها أكثر صعوبة للتتبع والتدمير قبل الإطلاق.
على الرغم من ذلك، فإن الصواريخ الباليستية أصبحت تمثل تهديداً متزايدًا لمنظومات الدفاع في الدول الكبرى، إذ مكنت بعض الدول الصغيرة والجماعات من تأمين قدرتها على الردع. إيران وكوريا الشمالية هما أبرز نموذجين استفادا من هذه التكنولوجيا، حيث تمكنتا من تطوير أنظمة صاروخية قوية. في الفترة الأخيرة، أعلنت كوريا الشمالية عن اختبار ناجح لصاروخ “هواسونغ-18-19” وهو أحد الصواريخ العابرة للقارات التي تتميز بالوقود الصلب، مما سمح لها بإظهار مدى قوي في قدراتها العسكرية. من جهة أخرى، قامت إيران بتطوير صاروخها الباليستي فرط الصوتي “فتاح”، وهو إنجاز كبير لهذه الدولة.
لا تزال الدول الكبرى تسعى لتطوير صواريخها لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، مما يساهم في تعقيد الوضع الأمني العالمي. يُعتَبَر صاروخ “مينتمان-3” الأمريكي واحدًا من أبرز الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، حيث يتميز بمداه الذي يتجاوز 9600 كيلومتر ويتكون من ثلاث مراحل. كُشِف أيضاً عن صاروخ “سارمات” الروسي المعروف باسم “الشيطان 2″، الذي يحل محل صاروخ “فويفودا” ويعزز من الردع الاستراتيجي الروسي. في عام 2018 قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صواريخ فرط صوتية تُعرف باسم “أفانغارد”، والتي تصل سرعتها إلى 27 مرة أسرع من الصوت، مما جعلها واحدة من الأسلحة الأكثر تطوراً في العالم.
بالإضافة إلى التطورات الروسية، قامت وزارة الدفاع الروسية بتعزيز قدراتها من خلال نشر طائرات “ميغ-31” المزودة بصواريخ “كينجال” فرط الصوتية، وهذا يشير إلى رغبة موسكو في استخدام تلك الأسلحة في النزاعات المختلفة، كما ظهر في النزاع الأوكراني. يُعتبر “كينجال” سلاحًا رائدًا يظهر التوجه الروسي للتفوق في التكنولوجيا العسكرية. في المقابل، الصواريخ الفرط صوتية الصينية مثل “دونغ فينغ-27” تعكس التقدم السريع للصين في هذا المجال، مما أثار قلق الخبراء العسكريين الأمريكيين. يُنظر إلى هذه الصواريخ على أنها “قاتلة حاملات الطائرات”، مما يدل على أهميتها الاستراتيجية.
تاريخ تصنيع الصواريخ الفرط صوتية يعود للثلاثينيات من القرن الماضي، حيث بدأت الأبحاث في هذا المجال أثناء الحرب العالمية الثانية. التشديد المتزايد على تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تزامن مع الأبحاث التي أعطت انطباعاً بأن الصواريخ الفرط صوتية ستحدث ثورة في المعارك الحديثة، إذ تتميز بقدرتها على تجاوز سرعة الصوت والتحليق على ارتفاعات منخفضة مع القدرة على المناورة أثناء الطيران. هذه الخصائص تجعل من هذه الأنظمة الصاروخية أسلحة استراتيجية فعالة، مما يزيد من دعم القوى العسكرية للدول الطامحة من أجل تعزيز مكانتها في النظام الدولي.
تتصدَّر روسيا والصين والولايات المتحدة قائمة الدول التي تعمل على تعزيز تكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية، وقد انضمت إيران وكوريا الشمالية إلى هذه المساعي في عام 2023. تتجه بلدان أخرى مثل المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا إلى البحث والتطوير في هذا المجال، وهو ما يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بأسلحة المستقبل. يشير هذا التوجه إلى أن الصواريخ الباليستية بجميع أنواعها، ولا سيما الفرط صوتية، ستظل تلعب دورًا محوريًا في الاستراتيجية العسكرية العالمية على مدى العقود القادمة، مما يتطلب الحذر والمراقبة المستمرة من قبل بقية دول العالم.