أظهر تسريب لمذكرة كتبها فرانك هوفمايستر، المدير القانوني لخدمة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، تجاهل الاتحاد لحكم محكمة العدل الدولية الذي يطالب جميع الدول بإنهاء دعمها لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. ووفقًا لتقرير نشره موقع إنترسبت، يُشير نيسلن إلى أن المذكرة تُفصّل كيف أن المحكمة الدولية، التي تُعتبر أعلى سلطة قانونية دولية في حل النزاعات بين الدول، لا تلزم دول الاتحاد بفرض حظر على السلع المستوردة من المستوطنات الإسرائيلية، بالرغم من دعوة المحكمة بوقف أي “مساعدات ودعم” يساهم في استمرار الاحتلال. كما يزعم هوفمايستر أن قوانين الاتحاد الأوروبي تقتصر على وضع علامات على المنتجات من المستوطنات لتوضيح منشأها، وليس فرض حظر عليها.
المذكرة التي أُرسلت إلى جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أثارت ردود فعل نقدية قوية من خبراء قانونيين وحقوقيين، حيث اعتبروا أن الاتحاد يتجاهل التزاماته الدولية. عكست فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ذلك بقوة عندما وصفت موقف الاتحاد بأنه “معيب قانونيًا وضار سياسيًا”، وحذرت من أن هذا التصرف قد يقوض الثقة في القانون الدولي. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي بتلك الممارسات يُضعف مصداقية سياسته الخارجية.
دانييل ليفي، مستشار رئيس وزراء إسرائيل السابق، انتقد أيضًا حكم هوفمايستر معتبرًا إياه “ضعيفًا ويمكن دحضه بسهولة”، مشيرًا إلى أن حكم المحكمة يُلزم الدول بوقف جميع أشكال الدعم للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية. يأتي التركيز على هذه القضية في وقت تتزايد فيه الانتقادات لعلاقة الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، حيث كانت الدول الأوروبية تدعم الاستيطان اليهودي منذ أكثر من مئة عام، وقد استمرت تلك الدعم بعد تأسيس إسرائيل عام 1948 واستيلائها على الأراضي المحتلة عام 1967.
كشف التحقيق أن مجموعات معارضة للاستثمارات الأوروبية في المستوطنات وثقت قروضًا وضمانات تُقدّر بحوالي 164.2 مليار دولار من المستثمرين الأوروبيين بين عامي 2020 و2023، لدعم الأنشطة الاستيطانية. وفقًا للمنظمات، يمتلك هؤلاء المستثمرون أيضًا نحو 144.7 مليار دولار من الأسهم والسندات في الشركات المرتبطة بها. تعكس مذكرة هوفمايستر كيف أن الاتحاد الأوروبي يُفضل مصالحه التجارية وأولوياته السياسية على احترام القانون الدولي، حيث أكدت سوزان أكرم من كلية الحقوق بجامعة بوسطن أن السياسة الحالية لا تتوافق مع رأي المحكمة، مشددة على أن الاحتلال نفسه يعد غير قانوني ويجب إنهاؤه بشكل عاجل.
رداً على التسريب، بدأت بعض الدول الأوروبية في إعادة تقييم موقفها، مثل أيرلندا التي أعادت تقديم قانون محلي يمنع التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية، بعد أن أوقفته سابقًا لتفادي تضاربه مع قوانين الاتحاد الأوروبي. حذر نائب رئيس الوزراء الأيرلندي من أن الفشل في اتخاذ إجراءات قد يدفع الدول للتصرف بشكل مستقل لحظر التجارة وفقًا لحكم محكمة العدل الدولية. هناك قلق متزايد بين المنظمات والناشطين من أن موقف الاتحاد الأوروبي الحالي قد يتعرض للتناقض، خاصة عند مقارنته بمواقفه القانونية في النزاعات الدولية الأخرى مثل الإدانة الموجهة لروسيا في أوكرانيا.
أخيرًا، أكدت ألبانيزي أن الاتحاد الأوروبي يخاطر بأن يصبح شريكًا في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، مشيرة إلى أن هذا الموقف يمكن أن يجعله مسؤولاً عن دعم نظام فصل عنصري وجرائمه. يُظهر هذا التوتر المتزايد بين القانون الدولي والاعتبارات السياسية، مما يعكس أهمية الالتزام بالقوانين التي تحكم العلاقات الدولية وكيف يمكن للمصالح السياسية أن تؤثر على القيام بالواجبات الإنسانية والقانونية.