موضوع “إنعاش الاقتصاد” في سوريا يعد من أهم القضايا المطروحة، عقب تدهور كبير في الموارد والأصول نتيجة الحرب التي استمرت لعقد من الزمن. الحرب حولت سوريا إلى اقتصاد هش، يعاني من تفتت وانهيارات مستمرة، وهو ما ظهر في تراجع معدلات النمو والإنتاج والتجارة ورأس المال. حكومة النظام السوري تبذل جهوداً لإعادة إحياء قطاعات الإنتاج والاستثمار، مستفيدة من بعض الهدوء النسبي في جبهات القتال. لكن القلق يظل قائمًا حول فعالية هذه الإجراءات، حيث يراها كثير من المحللين كحلول مؤقتة غير قادرة على معالجة المشكلات الهيكلية والجوهرية في الاقتصاد السوري، والتي تعود جذورها إلى عقود سابقة.
وصفت العديد من الآراء الاقتصاد السوري بأنه “هجيني”؛ حيث يعتمد على استراتيجيات متناقضة تسهم في فشل تحقيق معايير النمو والعدالة في توزيع الثروة، مما أدى إلى تعزز طبقة من المتنفذين الذين استطاعوا استغلال الظروف الاقتصادية لصالحهم، فاستفادوا من غياب سيادة القانون مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي. توقع كنان ياغي، وزير المالية السابق، أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5%، مشيراً إلى العقوبات الدولية التي تعيق التدفقات المالية. لكنه أكد أن الاقتصاد يحتاج إلى دعم مالي كبير لإعادة بناء بنيته التحتية المدمرة، فيما استبعد الخبير الاقتصادي عبد الستار دمشقية أي تأثير إيجابي فعلي للإجراءات الحكومية بسبب غياب الأمن والاستقرار.
مع تصاعد الأزمات، أكد البحث الصادر عن المركز السوري للدراسات، أن خسائر الاقتصاد تجاوزت 530 مليار دولار. الدراسات تشير إلى أن معدل البطالة قد وصل إلى 42% والدين العام صار يمثل 208% من الناتج المحلي، ما يعكس انهياراً في البنية التحتية للاقتصاد. أما التقديرات الخليجية، فتشير إلى أن تكلفة الحرب خلال 10 سنوات وصلت إلى 1.2 تريليون دولار، في ظل غياب الأمل في تجاوز هذه التكاليف إذا ما استمر النزاع.
التحولات العميقة التي شهدها الاقتصاد السوري في العقود الماضية تعكس تزاوج الهويات الاشتراكية والليبرالية، مما أفضى إلى مشهد اقتصادي غير واضح المعالم. شكا بعض المسؤولين السابقين من عدم وجود استراتيجية قادرة على توحيد رؤى الاقتصاد، ما يؤدي إلى ممارسات اقتصادية متناقضة. ومع صدور دستور 2012 الذي أزال صفة الاشتراكية، تساءلت الباحثة رشا سيروب عن هوية الاقتصاد السوري في ظل التغييرات الحاصلة.
التجارب الاقتصادية المتعددة في سوريا واجهت فشلاً كبيراً، حيث أدى الانتقال المفاجئ من الاشتراكية إلى الليبرالية إلى أزمات اجتماعية واقتصادية كبيرة. الخبير دمشقية لفت الانتباه إلى تحوّل النظام من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق دون وجود استراتيجية واضحة، ما أسفر عن غياب العدالة في توزيع الثروات وارتفاع معدلات الفقر. كما أدت الممارسات الفاسدة إلى تعظيم الثروات لفئة معينة، مما زاد الفجوة الاقتصادية بين السكان.
أخيراً، يعيد الأسد تفسير مفهوم الاقتصاد الاشتراكي في محاضراته، مدعياً أن الاشتراكية تعني العدالة الاجتماعية، داعياً إلى موازنة بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي. لكن خبراء انتقدوا هذا التفسير، مؤكدين على فشل السياسات السابقة في تحقيق نمو مستدام أو توفير شبكات أمان اجتماعي للطبقات المحتاجة. ويؤكد الخبير منير الحمش على ضرورة البحث عن نموذج تنموي جديد يسعى للقضاء على الفقر ويحقق العدالة الاجتماعية، لكن يتطلب ذلك وجود رؤية استراتيجية واقعية وقابلة للتنفيذ، تعالج إشكاليات الهوية الاقتصادية وتوزيع الثروة بعد الأزمة.