تعرض المشاركون في المؤتمر الوطني الفلسطيني خلال انعقاده في الدوحة الأسبوع الماضي، لهجوم واسع بذريعة أنهم يسعون لإيجاد بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، مع أن البيان الختامي للمؤتمر شدد على إعادة الاعتبار للمنظمة كونها “الممثل الشرعي والوحيد” للشعب الفلسطيني، وذلك عبر إعادة بنائها على أسس وطنية وديمقراطية شاملة.
مع انعقاد المؤتمر والهجوم المضاد، تساءل كثيرون عن تأثير ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وأين كانت على مدى 16 شهرا شهدت حرب إبادة جماعية واسعة في قطاع غزة وحروبا متعددة الأوجه في الضفة الغربية.
فالمجلس الوطني الفلسطيني، وهو بمنزلة برلمان المنظمة، الذي اجتمع لانتخاب رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومناقشة “التصعيد والإجراءات الإسرائيلية في القدس” عام 2018، واجتمع عام 1996 لتعديل ميثاق منظمة التحرير بما يتوافق مع المطالب الأميركية الإسرائيلية، لم يجتمع لبحث ما يجري في فلسطين على مدى أكثر من عام ونصف.
* “المجلس المركزي” يؤكد وحدة الموقف الوطني الفلسطيني ورفض مؤامرات تصفية قضية شعبنا وتهجيره
* أكد رفضه أية حلول انتقالية أو مؤقتة تمثل مساسا أو تنازلا عن حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية
* دعا إلى عقد قمة عربية طارئة لتوحيد الموقف دعما لفلسطين ورفضا للتهجير
أكد… pic.twitter.com/YzZMkQB7tS— زاهر ابو حسين (@ZAHERABUHUSIEN) February 8, 2025
اجتماع المركزي
ومنذ بدء الحرب اجتمعت اللجنة التنفيذية عدة مرات، كثير منها بغياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وانتهت ببيانات تحمل مواقف سياسية معتادة. بينا لم يعقد المجلس المركزي الفلسطيني، سوى اجتماع “تشاوري” في ٨ فبراير/شباط الجاري وبعد انتهاء العدوان على غزة.
وعن الاجتماع قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف إنه جاء “في سياق التشاور ووضع إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة ما يتعرض له شعبنا من محاولات تهجير واقتلاع”.
وأشار، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (وفا) إلى أن “القيادة الفلسطينية تحركت منذ اليوم الأول على المستويات العربية والدولية، ووضعت حسابات دقيقة لمواجهة هذا المخطط”.
في إجابته على سؤال عن غياب المنظمة عن المشهد الفلسطيني، قال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي إن اللجنة التنفيذية ووزارة الخارجية الفلسطينية تصدر بيانات باستمرار، إلى جانب الجهود الدبلوماسية التي بذلت ولا تزال تُبذل في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
ويرى المسؤول الحزبي أن الجهد الدبلوماسي الفلسطيني في هذا المجال هو جهد متواصل. وأفاد بأن أكثر من جلسة لمجلس الأمن قد عقدت، وكانت هناك دعوات فلسطينية مستمرة لتحريك المؤسسات الدولية في هذا الاتجاه مع إصدار بيانات مختلفة من وزارة الخارجية.
ويؤكد أمين عام حزب الشعب الفلسطيني أن المشكلة الرئيسية في غياب الموقف الفلسطيني الموحد الذي يضمن وحدة القوى الفلسطينية ويسهم في تحركها الجماعي وخطابها المشترك.
واعتبر الصالحي أن الوضع الحالي غير ملائم إذ تجري مفاوضات غير مباشرة بشأن غزة ووقف إطلاق النار مع حركة حماس، في حين تقوم المنظمة ودولة فلسطين بجهودها الدبلوماسية والسياسية منفردة دون تنسيق مع حركة حماس.
ومن هذا المنطلق، يرى الصالحي ضرورة تشكيل وفد فلسطيني موحد يفاوض على وقف إطلاق النار ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية أيضا.
وعن موانع وجود الوفد الموحد، يوضح الأمين العام أن التردد لا يزال يحول دون اتخاذ خطوات جريئة لتنفيذ ذلك، نتيجة لغياب الثقة المستمرة الناجمة عن الانقسامات السابقة.
موقف الحياد
رغم ذلك، ينتقد الخبير السياسي والأمني يوسف الشرقاوي في حديثه للجزيرة نت “غياب” منظمة التحرير عن القضايا الوطنية الهامة “وكأنها محايدة”.
وتساءل “ألا يستدعي حظر الأونروا واستهدافها موقفا أو اجتماعا لمنظمة التحرير ومؤسساتها؟ ألا تستعدي حرب الإبادة في غزة اجتماعا عاجلا لأطر المنظمة؟ لماذا لم ينعقد المجلس الوطني لاتخاذ قرارات مصيرية لمواجهة احتلال يسعى لإلغاء كل مؤسسات الشعب الفلسطيني وتهجيره؟.
ونهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024 حظرت سلطات الاحتلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” وتمنع حضورها في مخيمات شمالي الضفة حيث عمليات التهجير التي طالت نحو 40 ألف لاجئ منذ أكثر من شهر.
وأضاف الشرقاوي “المطلوب أن تعيد المنظمة حساباتها في شكل وكيفية قيادة الشعب الفلسطيني” معتبرا أن إدارة المنظمة “ارتجالية بدون إستراتيجية”.
وعبر عن خشيته على دور المنظمة “إذا حلت أي منظمة عربية أو إسلامية مكانها”. خاصة في ظل الحديث عن اليوم التالي للعدوان على غزة، محملا إياها “مسؤولية المساس بأونروا كونها مسؤولة عن اتفاق أوسلو الذي أقر بشرعية إسرائيل على 68% من فلسطين”.
وتابع أن “المنظمة ارتجالية يقودها شخص يأخذ قرارات دون العودة للقيادة”، مشيرا إلى مرسوم رئاسي قبل سنوات اعتبر المنظمة إحدى مؤسسات السلطة، مع أن المنظمة أسست السلطة كأداة للحكم ضمن فترة انتقالية، “لكن الأخيرة لا تريد محاسبة ولا رقابة عليها، كما حصل في مرسوم إقالة رئيس هيئة الأسرى قدورة فارس وإحالة ملف الأسرى لمنظمة أهلية، رغم الرفض الواسع لهما”.
وعبر الشرقاوي عن رفضه لما وصفه بـ”استغفال الشعب الفلسطيني” وضرورة إعادة الاعتبار للمنظمة ومؤسساتها.
“سجّل التاريخ انطلاق الفعل التحرري المنظم بعد النكبة بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في أحضان الشتات الفلسطيني، وما قدمته من كافة أشكال المقاومة، وما نتج من تأطير الفعل التحرري الفلسطيني في بوتقة وطنية واحدة على حد سواء”
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) February 15, 2025
غياب تام
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرّا، إن منظمة التحرير غائبة تماما إزاء مجمل الملفات الفلسطينية وتجاه قطاع غزة بشكل خاص “باستثناء بعض البيانات أو المواقف العامة”.
وتابع الكاتب الفلسطيني أن مواقف المنظمة مما يجري شمالي الضفة وفي جنين تحديدا لم تكن على قدر عال من المسؤولية “بل إن محاصرة السلطة لمخيم جنين وملاحقة المقاومين قبل الاجتياح الإسرائيلي الحالي أضعف المنظمة”.
يوضح القرا أن الفصائل الفاعلة في المنظمة لم يعد لها وزن، بل أن حركة فتح هي المهيمنة وصاحبة القرار، معتبرا أن “ضعف ووهن المنظمة في التعامل مع القضايا الوطنية انعكاس سنوات طويلة من الهيمنة والإقصاء”.
وتابع أن “المنظمة ومؤسساتها لم ترتق لمستوى القضايا المصيرية مثل التهجير وحرب الإبادة في قطاع غزة والاستيطان في الضفة الغربية”.
وقال إن ارتهان المنظمة أضعفها حتى أمام الإدارة الأميركية الجديدة التي تتجاهل ليس المنظمة فحسب، إنما الرئيس محمود عباس، دون أن تأبه بالاتفاقيات السياسية.
يلفت القرّا إلى أن قيادة المنظمة لم تتفاعل إيجابيا مع التحركات العربية -بما فيها التحرك المصري- منذ اندلاع الحرب ومحاولة تشكيل موقف فلسطيني جماعي للتعامل مع المفاوضات مع الاحتلال حول الحرب على غزة وغيرها، إنما اتخذت تلك القيادة موقفا متشنجا وصل حد رفض المقترحات المصرية التي تتعلق بإدارة قطاع غزة، مع أنها تجعل المنظمة ممثلة بالسلطة هي عنوان تحركاتها.
وأضاف أن قيادة المنظمة لم تكتف برفض اللجنة المصرية المقترحة، إنما أصرت على إقصاء حركة حماس من المشهد وعبرت عن ذلك في بيانات واضحة وصلت حد تحميل الحركة مسؤولية طوفان الأقصى رغم شهادة مسؤولين إسرائيليين بأن إسرائيل كانت تتحضر للهجوم على غزة.
📌”فلسطينيي الخارج” يدعو لمواجهة مخططات الضم وإعادة بناء منظمة التحرير
اقرأ المزيد عبر فلسطين أون لاين: https://t.co/qubbwicor2 pic.twitter.com/tBbYSCf5YM
— فلسطين أون لايـن (@F24online) February 23, 2025
المطلوب من المنظمة
وعن المطلوب من منظمة التحرير، قال المحلل السياسي “موقف علني واضح، وحملات دبلوماسية فعلية وشعبية واسعة لدعم قطاع غزة، ووقف التنسيق الأمني في الضفة واتخاذ موقف أكثر صلابة في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يضعفها بشكل كبير ويفرغها من دورها ومؤسساتها”.
وشدد على وجوب أن “تصحح المنظمة مسارها بالتعامل مع إدارة قطاع غزة والموافقة على المقترح المصري لإدارة القطاع”.
وأشار إلى ضرورة “إعادة مأسسة منظمة التحرير وفق التحديات الموجودة الحالية التي تشكل أصلا خطورة على المنظمة والسلطة وفي ظل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، بما في ذلك تبني موقف واضح في التعامل مع الاتفاقيات مع الاحتلال ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته”.