لطالما كانت كشمير المقسمة بين الهند (55%) وباكستان (30%) والصين (15% عبر أكساي تشين ووادي شاكسغام) نقطة اشتعال تاريخية، وازداد الوضع تعقيدا بعد أن ألغت الهند الحكم الذاتي للإقليم في عام 2019.

وتفاقم التوتر بشكل كبير عقب الهجوم المسلح الذي وقع في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية في 22 أبريل/نيسان 2025، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصا، مما أدى إلى إجراءات تصعيدية بين البلدين.

وفي خضم هذه التوترات تجد الصين نفسها في موقف معقد كقوة إقليمية تسعى إلى موازنة دعمها لباكستان من طرف وإدارة علاقاتها المتوترة مع الهند من جانب آخر.

تحقيق محايد

أعربت الصين عن قلقها من التصعيد بين الهند وباكستان، داعية إلى ضبط النفس والحوار لحل الخلافات عبر التشاور المباشر وتجنب التصعيد العسكري.

كما طالبت بكين بالتحقيق المحايد ووقف الاتهامات المتبادلة، خصوصا في ظل مخاوفها من أي مواجهة بين دولتين نوويتين متجاورتين تهدد الاستقرار الإقليمي، مع تأكيد أن لها حدودا مشتركة مع كلا البلدين.

ويرى مراقبون أن مصالح الصين الإستراتيجية تشير إلى ميل ضمني لدعم باكستان، فوفقا لوزارة الخارجية الصينية قال وانغ يي خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الباكستاني إسحاق دار “بصفتها الصديق الموثوق لباكستان وشريكها الإستراتيجي في جميع الظروف فإن الصين تدرك تماما المخاوف الأمنية المشروعة لباكستان وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية”.

وأضاف أن بلاده تأمل أن يظل الجانبان منضبطين، وأن يتحركا نحو بعضهما البعض ويعملا معا لتهدئة الوضع.

وبحسب لين مينوانغ نائب مدير مركز دراسات جنوب آسيا في جامعة فودان، فإنه يمكن تفسير تصريحات وزير الخارجية الصيني على أنها “تحذير للجانب الهندي”، إذ تسعى الصين إلى منع هيمنة الهند على باكستان، ولا تعتبر إسلام آباد مجرد وسيلة لموازنة نفوذ نيودلهي، بل تتبنى مقاربة إستراتيجية مستقلة تهدف لحماية مصالحها في المنطقة.

ومع ذلك تسعى بكين -وفقا لمراسلة الجزيرة شيماء جو إي إي- إلى إمساك العصا من المنتصف، فهي تحتفظ بعلاقات إستراتيجية وثيقة مع إسلام آباد، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن استمرار التوتر مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقدة على حدودها الشرقية، خاصة في ظل النزاع الحدودي التاريخي الذي يمتد على أكثر من 3500 كيلومتر.

وانغ يي: الصين تدرك تماما المخاوف الأمنية المشروعة لباكستان وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية (غيتي)

التحالف الإستراتيجي مع باكستان

تربط الصين وباكستان شراكة إستراتيجية قوية تتجلى في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (سي بي إي سي)، وهو جزء حيوي من مبادرة الحزام والطريق، ويمر هذا الممر عبر مناطق حساسة مثل كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، مما يجعل استقرار باكستان أولوية صينية.​

تزود الصين باكستان بنحو 80% من أسلحتها (2020-2024)، بما في ذلك غواصات وطائرات مقاتلة، مما يعزز قدراتها العسكرية في مواجهة الهند.

كما أن الصين تدعم باكستان في المحافل الدولية مثلما حدث في جلسة مجلس الأمن عام 2019 التي دعت إليها الصين لبحث الوضع في كشمير.​

ومما يفسر هذا الموقف، أن الصين ترى في الهند منافسا إقليميا رئيسيا، خاصة مع تصاعد التوترات الحدودية بينهما (مثل مواجهات لاداخ 2020) ودعم باكستان ولو بشكل غير معلن يساعد الصين في احتواء نفوذ الهند في جنوب آسيا.

طريق باكستاني ينقل بضائع الصين للعالم

خلفيات التوتر بين الصين والهند

تشكل العلاقة المتوترة بين الصين والهند خلفية رئيسية لموقف بكين من أزمة كشمير والصراع المستمر بين باكستان والهند، وتتأثر تلك العلاقة بعوامل تاريخية وحدودية وجيوسياسية، منها:​

  • النزاعات الحدودية:

يمتد الخلاف بين البلدين على طول خط السيطرة الفعلية (إل إيه سي) بطول 3488 كيلومترا، والذي لم يُرسم بشكل رسمي، وتشمل النقاط الساخنة أكساي تشين (تحت سيطرة الصين وتطالب بها الهند) وأروناتشال براديش (تحت سيطرة الهند وتطالب بها الصين كجزء من التبت).

وأدت الحرب الصينية الهندية عام 1962 إلى سيطرة الصين على أكساي تشين، مما زرع بذور التوتر المستمر بين البلدين.​

  • التنافس الجيوسياسي:

ترى الصين في الهند منافسا إقليميا صاعدا، خاصة مع طموحات نيودلهي لعضوية دائمة في مجلس الأمن ودورها في تجمعات مثل تجمع الحوار الأمني الرباعي “كواد” الذي يشتمل على الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.

وتعتبر الصين أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال تحالف كواد ضدها، في حين تسعى لتعزيز نفوذها عبر مبادرة “الحزام والطريق” ومنظمة شنغهاي للتعاون.​

  • الخلافات الاقتصادية:

رغم العلاقات التجارية القوية (بلغت التجارة الثنائية 135 مليار دولار عام 2024) فإن الهند تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين بلغ نحو 85 مليار دولار.

وقد أثارت استثمارات الصين في القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا مخاوف أمنية في الهند، مما دفع نيودلهي إلى حظر تطبيقات صينية مثل “تيك توك” بعد مواجهة وادي غالوان.​

ويقول السفير الهندي السابق يوغيش جوبتا إن “الصين منذ تأسيسها عام 1949معادية وغيرة مرتاحة لمكانة الهند العالمية وتنميتها”.

التقارب الأميركي الهندي

تعززت العلاقات الأميركية الهندية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين مدفوعة بمصالح مشتركة في مواجهة صعود الصين، وقد يؤثر هذا التقارب مباشرة على موقف الصين من أزمة كشمير 2025.

تدعم الولايات المتحدة الهند كجزء من إستراتيجيتها لاحتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، إذ تعكس اتفاقيات مثل “الاتفاقية اللوجستية للتبادل” (إل إي إم أو إيه) و”اتفاقية التوافق وتأمين الاتصالات” (كومكاسا) مدى عمق هذه العلاقات، من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة.

وفي إطار تحالف “كواد” تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دور الهند كقوة بحرية مضادة للصين في المحيط الهندي، مما يثير قلق بكين من تطويقها إقليميا.

وعقب هجوم بهلغام أعربت الولايات المتحدة عن تضامنها مع الهند، داعية إلى “محاسبة الجهات الإرهابية”، في إشارة ضمنية إلى باكستان.

وطالب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إسلام آباد بالتعاون في تحقيق الهجوم، مؤكدا دعم الولايات المتحدة للهند في مكافحتها للتطرف.

وعن الموقف الأميركي تقول كريستين فير أستاذة الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون إن الولايات المتحدة لن تضغط على الهند للتراجع عن ردها على باكستان، معتبرة أن للهند الحرية في تحديد مسارها.

الصين تعتبر أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال تحالف كواد ضدها (الفرنسية)

ومن المتوقع أن توفر الولايات المتحدة دعما استخباراتيا وعسكريا للهند في حال تصاعد النزاع، بما في ذلك تزويدها بأنظمة دفاع جوي ومعلومات بشأن تحركات القوات الباكستانية، ويعزز هذا الدعم تصميم نيودلهي على اتخاذ مواقف متشددة ضد باكستان، مما يقلل فعالية دعوات الصين للتهدئة.

ويرى محللون صينيون أن الولايات المتحدة تستغل أزمة كشمير لتعزيز وجودها في جنوب آسيا، مما يضع الصين في موقف دفاعي.

في المقابل، يدفع التقارب الأميركي الهندي الصين إلى تعزيز دعمها لباكستان، سواء عبر تقديم مساعدات عسكرية (مثل طائرات “جيه-10”) أو دعم دبلوماسي في الأمم المتحدة لموازنة النفوذ الأميركي.

ويرى المحلل الأمني أسفانديار مير أن الهند وباكستان “تتجهان نحو صراع ساخن، ومن المرجح أن يكون أكثر حدة من أزمة عام 2019”.

وقال مير إن عملية صنع القرار في الهند بشأن الأزمة الحالية قد تعقدت بسبب اضطرار قيادتها إلى “وضع الصين في الاعتبار”، مشيرا إلى أن المواجهة الحدودية التي استمرت لسنوات قد أرهقت الموارد العسكرية الهندية وشكّلت تهديدا متزامنا إلى جانب الخطر القادم من باكستان.

وأضاف أن العلاقات الصينية الباكستانية “لا تزال قوية، ومن المرجح أن تقدم الصين المساعدة التي تحتاجها باكستان لمواصلة القتال مع الهند”.

ويؤكد الدبلوماسي الهندي السفير يوغيش جوبتا أن الصين تزود باكستان بالتكنولوجيا النووية والأسلحة الثقيلة والسفن الحربية المتطورة والطائرات المقاتلة لتعزيز دفاعاتها ضد الهند.

ويضيف جوبتا “لسنا مستغربين من قرار الصين تزويد باكستان بمزيد من الأسلحة الآن، على أمل أن تُضعف الحرب بين باكستان والهند هذه الأخيرة”.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب (يمين) يلتقي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في البيت الأبيض (أسوشيتد برس)

دوافع الموقف الصيني

  • منافسة النفوذ الأميركي:

ترى الصين في دعمها لباكستان وسيلة لمواجهة التحالف الأميركي الهندي، ويعد الممر الاقتصادي بين البلدين -الذي يوفر للصين وصولا إلى بحر العرب- أداة إستراتيجية لتقليل الاعتماد على مضيق ملقا الخاضع للنفوذ الأميركي.

  • حماية المصالح الاقتصادية:

يمثل التصعيد العسكري في كشمير تهديدا مباشرا للاستثمارات الصينية في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والتي تقدّر بـ46 مليار دولار، إذ تمر أجزاء من هذا الممر عبر كشمير الباكستانية، مما يجعل استقرار المنطقة أمرا جوهريا لبكين.

كما أن توسع الصراع قد يعطل التجارة الصينية مع الهند التي تعد سوقا رئيسية للصادرات الصينية، لذلك تسعى الصين إلى تجنب حرب شاملة قد تؤدي لفرض عقوبات غربية أو تعطيل مشاريعها الإقليمية.

  • الحفاظ على الاستقرار الإقليمي:

يتوقع مدير مركز دراسات جنوب آسيا ليو زونغي أن تسعى بكين إلى تعزيز محادثات السلام بين الهند وباكستان في ظل التوترات المستمرة، بهدف ضمان جوار إقليمي مستقر ومسالم، مما يهيئ بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

ويضيف ليو أن بكين لن تتسامح مع أي تهديدات لمصالحها الخارجية، خاصة الموجهة ضد مشاريعها وشعبها في باكستان.

وأشار إلى أن جماعات مسلحة، مثل جيش تحرير بلوشستان وحركة طالبان الباكستانية، يُزعم أنها تحظى بدعم هندي رغم غياب الأدلة القاطعة على ذلك، وقد سبق أن هذه الجماعات استهدفت مشاريع صينية ومواطنين صينيين، مما زاد حساسية الصين تجاه الوضع في باكستان، على حد قوله.

ومع ذلك، فإن دعم الصين لباكستان قد يفسر في الهند كاستفزاز، مما يزيد احتمال الاشتباكات الحدودية.

  • تعزيز الدور الدبلوماسي:

تقدم الصين نفسها كقوة عالمية مسؤولة من خلال دعواتها للحوار، لكن الدعم الأميركي للهند يحد من فعالية هذا الدور، حيث يُنظر إلى الصين في الهند كجزء من المشكلة بسبب تحالفها مع باكستان.

وبحسب صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، فإنه “من غير المرجح أن تفضل نيودلهي أو واشنطن دورا أكبر لبكين، في حين قد يصوّر الجانب الأميركي الصين وباكستان على أنهما متحالفتان بشكل وثيق، مما يقيّد الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين”.

تداعيات الموقف الصيني

ويرى بعض المراقبين أن الدعم الأميركي للهند والتحالف الصيني الباكستاني يعزز حالة الاستقطاب الإقليمي، ويؤدي إلى مزيد من التقارب والتعاون بين الهند والولايات المتحدة ضد الصين وباكستان.

وإذا استمر الدعم الأميركي في تشجيع الهند على اتخاذ إجراءات متشددة فقد تلجأ الصين إلى تعزيز وجودها العسكري على الحدود أو تقديم دعم مباشر لباكستان، مما يزيد مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة، وهذا قد يدفع بكين إلى الاعتماد على أطراف أخرى مثل روسيا أو الأمم المتحدة لتخفيف التوترات.

ووفقا للكاتب والمحلل الصيني أورانغ وانغ، فإن “الصين اتخذت مؤخرا خطوات لإعادة ضبط علاقاتها مع الهند بعد سنوات من التوترات الحدودية في جبال الهيمالايا، وتعليق الرحلات الجوية المباشرة، وقيود التأشيرات المتبادلة، وذلك في ظل تزايد الضغوط الجيوسياسية من إدارة دونالد ترامب”.

وعن إمكانية دور الصين كوسيط، يضيف وانغ “تعد الصين الصديق الثابت لباكستان منذ عقود، وشريكا في جميع الظروف منذ عام 2015، مما يثير تساؤلات عما إذا كانت بكين ستحاول التوفيق بين البلدين أو التدخل كوسيط خلال الأزمة الحالية”.

ويرى لين مينوانغ أنه “من المرجح أن يكون دور الصين محدودا في التوترات الحالية بين البلدين”، ويستبعد قبول الهند الوساطة الصينية، مشيرا إلى “أن قيام بكين بدور الوسيط بين الجانبين يتطلب قبول كل من الهند وباكستان، ولكن من غير المرجح أن تقبل نيودلهي الجهود الصينية لشرح موقف إسلام آباد”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version