في ظل الظروف المأسوية التي يعيشها سكان غزة، يظهر معاناة الأطفال الأيتام بصورة جلية من خلال قصة الطفل عبيدة الأسطل الذي يتيم ومحروم من أبسط مقومات الحياة بعد فقدانه لوالده. والدة عبيدة تُعبر عن آلامها حيث فقدت زوجها في بداية الحرب وتعيش مع أطفالها الأربعة في خيمة متهالكة لا تحميهم من حرارة الصيف أو برودة الشتاء. تتجلى عذابات هذه العائلة في عدم توفر الملابس أو المساعدات الإنسانية، إذ لا يوجد أي دعم يُذكر من المؤسسات المعنية، ما يزيد من مأساة الأيتام وحرمانهم من أبسط حقوقهم.
تشير نسرين عايش، وهي أم لأيتام، إلى تغير الظروف قبل الحرب حيث كان هناك دعم مخصص للأطفال الأيتام، لكنها تعاني اليوم من قلة المساعدات وتدهور الحالة الإنسانية. هذا التراجع في الدعم يعكس الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع، حيث الأسرة التي كانت تجد مؤازرة الآن تعيش في ظل حكومة شديدة القسوة. إن ظاهرة الأيتام في غزة ليست جديدة، لكنها اتخذت أبعادًا مأساوية جديدة مع استمرار العدوان.
وفي هذا السياق، تؤكد نجلاء الغلايني، عضو مجلس إدارة معهد الأمل لرعاية الأيتام، ضرورة توفير بيئة آمنة للأطفال الأيتام الذين فقدوا عائلاتهم. حيث يتعرض هؤلاء الأطفال لمشاهد مؤلمة تفوق قدرتهم على التحمل، مما يستدعي توفير رعاية نفسية لهم قبل أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية تجعل من الصعب تقديم هذا الدعم النفسي والاجتماعي الذي يحتاجه الأطفال الأكثر هشاشة.
تتحدث الغلايني عن اقتراح قديم مقدم من معهد الأمل يقضي بأن تأخذ دولة مجاورة هؤلاء الأطفال الأيتام تحت رعايتها، ولكن إغلاق معبر رفح حال دون تنفيذ هذا الاقتراح. ويُظهر هذا العائق الواقع المرير الذي يحبس هؤلاء الأطفال كذلك، ويجعلهم عرضة لمزيد من المعاناة دون أي آفاق لحياة أفضل. إن الوضع في غزة يجعل من الصعب تلبية احتياجات الأيتام التي تتجاوز الطعام والدواء.
تشير تقارير الأمم المتحدة، مثل تلك الصادرة عن “يونيسيف”، إلى ارتفاع عدد الأيتام في غزة حيث وصل العدد إلى نحو 17 ألف يتيم، ولكن يُعتقد أن هذه الإحصائيات قديمة مع استمرار الحرب وتداعياتها. مما يجعل من الضروري التوصل إلى حلول عاجلة من الجهات المسؤولة لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، بما يضمن للأطفال الأيتام حياة أفضل ويمنحهم بعض الأمل في غد مشرق.
في الختام، تعكس هذه الظروف القاسية التي يعيشها الأطفال الأيتام في غزة صورة مؤلمة عن الحرب وتأثيراتها على الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. يتطلب الوضع الحالي تكاتف الجهود المحلية والدولية لإنقاذ هؤلاء الأطفال وتوفير الحماية والرعاية اللازمة لهم، لأنهم يمثلون مستقبل الوطن الذي يتعرض لضغوط هائلة. استمرار الحرب يقوّض أحلام هؤلاء الأطفال، مما يضع المجتمع والدولة أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا مفر منها.