إدلب- “نعيش وسط الخراب والدمار، لكن ما الذي أجبرك على المر غير الأمرّ منه!”، بهذه الكلمات بدأ السوري محمد خشان من مدينة معرة النعمان (جنوبي إدلب) حديثه عن الواقع الصعب في منطقته بعد 14 عاما من الحرب والتهميش.
يقول خشان: “هذا واقعنا اليوم، في ظل نقص الخدمات الأساسية وعلى رأسها القطاع الصحي، فكل المشافي والنقاط الطبية مدمرة بالقصف أو تعرضت للنهب، وهو ما يزيد المشقة على الأهالي هنا”.
عودة إلى المجهول
في حديثه للجزيرة نت، يقول محمد خشان إن خيار العودة إلى الديار كان صعبا جدا “ولكن لا بد منه بعد أن تحررت مدينتا من نظام الأسد الذي قصفها ودمرها كما فعل الطغاة قبله في معرة النعمان وحرقوها 7 مرات وهذه هي المرة الثامنة”. ينظر حوله ويضيف: “كل شيء هنا مدمّر، المشافي والمدارس والكهرباء والماء والشجر والحجر”.
يعيش خشان في حيه وحيدا مع عائلته تقريبا، ويقول إنه لا يملك سيارة، “فإذا مرض طفلي أو أحد أفراد عائلتي فإن أقرب مشفى يبعد أكثر من 25 كيلومترا في مدينة أريحا أو خان شيخون”.
ويقول إنهم معرضون للموت بسبب غياب الخدمات الطبية، “فأنا وعائلتي نعيش بين الدمار الذي تنتشر فيه مخلفات الحرب والأفاعي والعقارب أيضا”.
وطالب خشان الجهات المختصة والداعمة بالإسراع في توفير الخدمات الأساسية، كالمشافي والمراكز الطبية والمدارس والكهرباء والماء، لأنها تساعد كثيرين على العودة إلى منازلهم وهجر خيام النزوح التي لا تقي البرد ولا الحر.
![أهمها غياب قطاع الصحة.. صعوبات أمام عودة أهالي جنوب إدلب 1 صورة لمستوصف بلدة معصران بريف إدلب الجنوبي](https://khaleeji247.com/wp-content/uploads/2025/02/wdqwqw31-1739607798.jpg)
انعدام الخدمات
أما محمد جربان، فعاد إلى منزله بعد مرور 10 أيام من سيطرة إدارة العمليات العسكرية على ريف إدلب الجنوبي، واتخذ هذا القرار رغم انعدام الخدمات الأساسية الضرورية كالكهرباء والأفران والماء. ولكن أكثر ما يقلقه هو أن يحتاج إلى إسعاف بشكل طارئ في ساعات الليل، وهو ما لا يتوفر.
وأضاف للجزير نت: “كان مشفى معرة النعمان الوطني يخدم مئات الآلاف من ريفي معرة النعمان الشرقي والغربي، بالإضافة إلى أبناء المدينة، لأنه كبير جدا وكان يحتوي على الأجهزة الطبية اللازمة، ولكن نظام الأسد دمر المشفى وسرق ما فيه”.
وعاد إلى معرة النعمان خلال الشهرين الماضيين أكثر من ألف عائلة، بينما تسود التوقعات بأنه إذا توفر الدعم من المجتمع الدولي لإعادة تأهيل المراكز الطبية والمدارس والكهرباء، سيعود أيضا كثير من السكان ممن يستطيعون ترميم منازلهم. في حين ينتظر آخرون إعادة الإعمار ليتركوا الخيام التي يعيشون فيها على الحدود السورية التركية ويعودوا إلى منازلهم.
وبادرت بعض فرق الدفاع المدني وبعض المنظمات إلى إقامة نقاط طبية متنقلة في معرة النعمان، ولكنها ليست بدوام كامل. وتتوفر في المنطقة سيارة إسعاف للطوارئ، ولكنها لا تكفي حاجة السكان الذين عادوا إلى المنطقة.
خارج الخدمة
يقول رئيس دائرة المنشآت الصحية في مديرية صحة إدلب الدكتور إبراهيم الويس، للجزيرة نت، إن “المناطق التي تم تحريرها من النظام البائد تعاني من دمار كبير في البنية التحتية، خاصة في القطاع الصحي”.
ووفق الويس، فإن المنشآت المدمرة في ريف إدلب الجنوبي بلغت:
- 40 مستوصفا أصبحت خارج الخدمة، وتم البدء بإعادة تفعيل اثنين منها لتقديم الخدمات الطبية للأهالي الذين عادوا إلى هذه المناطق.
- 11 مشفى جميعها مدمرة وخارجة عن الخدمة جراء القصف المباشر، وجميعها لا يمكن تفعيلها حاليا، لأنها بحاجة إلى ترميم وتأهيل من جديد.
وأضاف أن وزارة الصحة السورية بدأت العمل في الوقت الحالي على تفعيل عدد من النقاط الطبية في المناطق التي بدأ بعض السكان العودة إليها، لتكون نقاط رعاية صحية أولية “مستوصفات”، بالإضافة إلى تفعيل عيادات طبية متنقلة موجودة بشكل يومي في المدن الكبيرة، وأخرى تكون متوفرة بين يومين إلى 3 أيام أسبوعيا في القرى والبلدات بسبب قلة عدد السكان العائدين.
ولفت إلى أن الوزارة بدأت بخطة إعادة تأهيل “مشفى معرة النعمان الوطني” لأهمية موقعه المركزي، إذ يستطيع أن يخدم نحو نصف مليون نسمة، ولكنه يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين حتى يعود للخدمة ويتفعل بشكل دائم، وحاله كما هي حال باقي المشافي الأخرى في المنطقة.
وأكد المسؤول الطبي أن عودة المشافي والنقاط الطبية للعمل تحفّز كثيرا من الأهالي على العودة إلى هذه المناطق، في ظل بُعد المشافي التي في نطاق الخدمة في ما لا يقل عن 25 كيلومترا.
العقوبات
وناشد الدكتور الويس المجتمع الدولي رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لأنها تسبب كارثة صحية، في ظل حظر دخول أجهزة طبية وتقديم المساعدات الدوائية، وتأثيرها المباشر على حياة المدنيين الذين ذاقوا الحرب والتهجير على مدى 14 عاما.
ووجه نداء إلى السوريين بالخارج والداخل والمنظمات والجهات المعنية للتكاتف والعمل معا وتوجيه الدعم لإعادة بناء المرافق الأساسية.
ولفت الويس إلى مشاكل قديمة متجددة تواجه القطاع الصحي في شمال غرب سوريا، أهمها توقف الدعم عن عدد كبير من المشافي العاملة، خاصة مشفى باب الهوى الذي توقف دعمه بشكل كامل، في حين لا يزال مليون نازح في الخيام على الحدود السورية التركية.
وأضاف أن الضغط زاد على هذه المشافي بعد عودة مئات الآلاف من المناطق التي تحررت حديثا أو من المهجّرين في دول الجوار.
وقال الويس إن وزارة الصحة تعمل بكل طاقتها لإعادة وتأهيل كافة المشافي والنقاط الصحية حسب الحاجة، وحسب القابل منها للتأهيل، لتصبح جاهزة لتقديم الخدمات الطبية للمواطنين كافة.