تستمر عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، على الرغم من العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ بداية معركة طوفان الأقصى، وقد وفرت الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة حوافز لاستمرار الفعل المقاوم.

وتسعى فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية في عمليتاها إلى مواجهة المخططات العسكرية الكبرى لجيش الاحتلال التي تهدف إلى تقويض بنيتها العسكرية في مخيمات الضفة، وخلق واقع سياسي وأمني جديد وفقا لأجندة اليمين الإسرائيلي الساعي إلى ضم الضفة الغربية.

وأشار تقرير إحصائي صادر عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية في العام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه، وإن كانت نسبة العمليات الكبيرة قد تراجعت.

عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية تزايدت في العام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه (غيتي)

إحصائيات العمليات

أشار تقرير مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى زيادة كبيرة في نطاق العمليات في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر على مدى العامين الماضيين.

ووفقًا لبيانات جهاز الأمن الداخلي فى إسرائيل (الشاباك) فقد نفذت 6828 عملية في عام 2024، بما فيها العمليات الشعبية التي تتضمن إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، وهو ضعف عدد الهجمات في عام 2023 البالغة 3436 هجوما.

إلا أن العمليات المهمة في الضفة الغربية والقدس شهدت انخفاضا بنسبة 44%، بما فيها عمليات الدهس والطعن وإطلاق النار والمتفجرات؛ مع تسجيل 231 هجوما مهما في عام 2024 مقارنة بـ 414 هجوما مهما في عام 2023.

وتُظهر البيانات أيضا أن 14 هجوما مهما نفذها فلسطينيو الداخل المحتل، 5 منها نفذها بدو من النقب، وكان النمط السائد هو الطعن.

وفي عام 2024، بلغ عدد القتلى الإسرائيليين في العمليات 46، بزيادة نحو 7% مقارنة بعام 2023، و337 جريحا بزيادة نحو 50%، وكانت حصيلة عمليات شهر أكتوبر/تشرين الأول هي الأكبر في العام 2024 إذ بلغت 11 قتيلا و76 جريحا.

وبحسب التقرير، فقد نفذ 82 اعتداء داخل الخط الأخضر، من كتسرين في الشمال وحتى بئر السبع في الجنوب، وكان التركيز كبيرا على تل أبيب ومحيطها.

وفي منطقة الضفة الغربية، كان أكبر عدد من العمليات في محافظة نابلس (43)، تليها جنين (31)، ورام الله (28)، والخليل (24)، وطولكرم (23).

وينقل التقرير إحباط جهاز الشاباك في العام الماضي 1040 هجومًا كبيرًا في الضفة الغربية والقدس، كما أحبط عددا مقاربا من العمليات لعام 2023 التي بلغت 1032 عملية.

واعتقل الاحتلال 3682 فلسطينيا في الضفة الغربية والخط الأخضر، مقارنة بـ5100 اعتقال في عام 2023، إضافة إلى ذلك، وفقًا للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، تم خلال عام 2024 تنفيذ 110 غارات جوية، والتي تشكل توجها جديدا في مواجهة المقاومة في الضفة، وأسفر عن استشهاد 165 مقاوما.

تسلسل زمني لتصاعد العمل العسكري للمقاومة في الضفة الغربية

دوافع متجددة للمقاومة

ويمكن تفسير استمرار العمليات رغم حجم القمع الإسرائيلي بعدة عوامل أساسية، منها:

  • تفاعل الفلسطينيين مع حجم الإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو رد فعل تأخر في الأشهر الأولى من الحرب إلى حين تكون البنى العسكرية القادرة على الاشتباك الفاعل مع الاحتلال.
  • هجمات المستوطنين ازدادت بحدة منذ طوفان الأقصى، ففي الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 سُجل ما لا يقل عن 1860 حادثة عنف من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة (بمعدل 4 حوادث يوميًا)، وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
    وشهدت محافظة نابلس أعلى عدد من اعتداءات المستوطنين بواقع 411 حادثة، تلتها محافظة رام الله بـ410 حوادث، وفي الخليل 362 حادثة.
  • العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تستنفر المقاومين للدفاع عن مخيماتهم ومدنهم من ناحية، وتوفر لهم أهدافا عسكرية إسرائيلية في متناول أسلحتهم.

وهذا الواقع مرشح للاستمرار لفترة غير محددة، إذ يسعى الاحتلال إلى تعزيز حضوره العسكري المباشر في مراكز مدن الضفة الغربية تمهيدا للتقدم في مسار ضمها، والذي يقدمه نتنياهو كمكسب لأحزاب اليمين في حكومته للاستمرار في دعمه وتجنب إسقاط الحكومة بفعل الخلاف بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

تهريب الأسلحة

يشير الاحتلال إلى تزايد تهريب الأسلحة عبر الحدود الأردنية، كسبب لتزايد المقاومة في الضفة في السنوات الأخيرة، وتكرر حديث الاحتلال عن إحباط وملاحقة شحنات إيرانية وصلت إلى مدن الضفة الغربية.

ففي مارس/آذار 2024، قال الجيش الإسرائيلي إن جهاز الأمن العام “الشاباك” أحبط أخيرًا محاولات إيرانية لتهريب شحنات كبيرة من الأسلحة المتطورة منها عبوات تحتوي على شظايا متفجرة وألغام مضادة للدبابات إلى نشطاء في الضفة الغربية لاستخدامها في تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.

‏وبحسب الشاباك، كانت وراء المخطط “الوحدة الإيرانية 4000″، وقسم العمليات الخاصة التابع لمنظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، برئاسة جواد غفاري، ووحدة العمليات الخاصة التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا، والمعروفة باسم “الوحدة 18840”. التابعة لرئيس “الوحدة 840” الإيرانية أصغر بكري.

كما نسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2024 إلى مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، أن إيران تدير طريق تهريب للسلاح إلى الأراضي الفلسطينية عبر العراق وسوريا ولبنان والأردن، بالتعاون مع المهربين البدو.

الجيش الإسرائيلي قال إنه استولى على كمية “كبيرة” من الأسلحة المتطورة من إيران (الصحافة الإسرائيلية)

جغرافيا العمليات

تركزت الأعمال الدفاعية لفصائل المقاومة في المخيمات الفلسطينية كمخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، لما فيها من كثافة سكانية ونمط عمراني يسهل التخفي ويعيق تقدم آليات الاحتلال.

وشكلت المناطق البعيدة عن المستوطنات وقوات الجيش الإسرائيلي ورقابتها المشددة بيئات حاضنة لمقاومة الاحتلال، كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة “السلم والصراع: علم نفس السلام” في فبراير/ شباط 2024.

وتوصلت الدراسة بالجمع بين مسح تمثيلي للسكان البالغين من 49 مجتمعًا في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس مع بيانات جغرافية مشفرة للمستوطنات والبنية التحتية للمراقبة، إلى أن “تماسك المجتمع يتنبأ بزيادة الاستعداد للمقاومة بشكل مباشر وغير مباشر من خلال معايير المجتمع المتصورة للتضامن، في حين أن العيش في مجتمعات أقرب إلى المستوطنات أو البنية التحتية للمراقبة ينبئ بانخفاض تماسك المجتمع، وانخفاض توقعات التضامن مع المقاومة، وقلة الرغبة في الانخراط فيها”.

وفي التعامل مع هذا التوزيع الجغرافي لعمليات المقاومة يعمل الاحتلال على تغيير البيئة العمرانية للمخيمات الفلسطينية من خلال شق طرق واسعة تمر من خلالها، بما يجعلها مكشوفة لأي عمليات اقتحام مباغتة من قوات الاحتلال.

ويشير تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 25 فبراير/شباط 2025 إلى أن قوات الاحتلال شقت طرقا واسعة داخل مخيم جنين، بدلا من أزقته الضيقة.

ونقل التقرير عن المتحدث باسم بلدية جنين بشير مطاحن قوله “إن ما يحدث في جنين هو تكرار لما حدث في جباليا “، وإن 12 جرافة على الأقل تعمل على هدم المنازل والبنية التحتية في المخيم.

وأضاف أن فرق الهندسة التابعة لجيش الاحتلال شوهدت وهي تستعد للإقامة لفترة طويلة، وجلبت خزانات مياه ومولدات كهربائية إلى منطقة خاصة تبلغ مساحتها نحو فدان واحد.

استمرار العمليات

في ضوء التوجهات السياسية الإسرائيلية الساعية إلى ضم الضفة الغربية، والتراجع النهائي عن فكرة حل الدولتين، من المرجح أن تستمر العمليات العسكرية الواسعة في الضفة الغربية، وأن تنخفض بالمقابل شرعية الدور الأمني لأجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما يرجح أن يدفع المزيد من الفلسطينيين إلى القناعة بأن مقاومة الاحتلال هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لإعاقة هذا التوجه الإسرائيلي.

وكذلك الحال بالنسبة إلى عنف المستوطنين الذي يتوقع استمراره وتزايده، خصوصا في ظل توسع عمليات التسليح التي قادها وزير الأمن السابق إيتمار بن غفير، وتوفر الغطاء السياسي الإسرائيلي والأميركي، حيث كان من أوائل قرارات الرئيس دونالد ترامب، إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة سلفه جو بايدن على عدد من المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين.

وكما لا يبدو أن الحرب في غزة متجهة إلى هدوء طويل الأمد، بفعل اتضاح فشل الاحتلال في تحقيق أهداف حربه على القطاع، فإن مختلف العوامل التي شكلت حوافز لتصاعد المقاومة في الضفة في العامين السابقين تدفع باتجاه استمرارها في المستقبل القريب، وسيكون مدى نجاحها وفاعليتها مرتبطا بمدى الدعم السياسي الذي يمكن أن تحصل عليه من المحيط العربي والإسلامي، ومدى الضغوط التي ستواجه العمل العسكري الإسرائيلي في الضفة وتحدد مدى حرية عمله، على مستوى التدمير والتهجير والقتل والأسر.

وبذلك فمن المرجح أن تكون الضفة بؤرة صراع عسكري مستمر مع الاحتلال في الأشهر وربما السنوات المقبلة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version