كشفت صحيفة واشنطن بوست، عبر التحقيق الاستقصائي الذي أجرته الصحفية كاثرين بيلتون، أن نائبًا سابقًا لمأمور مقاطعة بالم بيتش بولاية فلوريدا، وهو جون مارك دوغان، الذي فر إلى موسكو، أصبح الآن أحد أفضل مروجي الدعاية الروسية، وعمل مع الاستخبارات العسكرية الروسية لنشر الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة التي تستهدف الانتخابات الأميركية، وبشكل خاص الحملة الانتخابية لكامالا هاريس، نائبة الرئيس. تعتمد هذه المعلومات على وثائق حصل عليها جهاز استخبارات أوروبي وشاركها مع الصحيفة، تكشف عن علاقة دوغان بالكرملين وتفاصيل تمويله.
وفي العمق، تشير الوثائق إلى أن دوغان، الذي سبق أن خدم في قوات مشاة البحرية الأميركية، ليس مستقلاً كما كان يدعي، بل إنه تلقى تمويلًا مباشرًا من ضابط في الاستخبارات العسكرية الروسية. هذا الضابط، المعروف باسم “يوري خوروشيفسكي”، يعد من الشخصيات البارزة في العمليات الاستخباراتية الروسية، حيث تتعامل الوحدة التي ينتمي إليها مع التخريب والتدخل السياسي في الغرب، مما يبرز دور دوغان كمحور رئيسي في هذه العمليات.
وأظهرت الوثائق، التي تتناول الفترة من مارس 2021 إلى أغسطس 2024، لأول مرة تفاصيل الشبكة التي يديرها دوغان والتي نُظر إليها باعتبارها واحدة من أكثر الشبكات فعالية لنشر الأخبار المزيفة الساعية لاستهداف الناخبين الأميركيين. ويشير الباحثون إلى أن الشبكة قد تكون مسؤولة عن إنتاج فيديو مزيف شوه سمعة تيم والز، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، الذي قالت الأجهزة الأمنية الأميركية إن روسيا هي من قامت بتصنيعه. هذا الفيديو حصل على انتشار كبير بسرعة كبيرة على منصة “إكس” (سابقًا تويتر).
يعود تأثير دوغان إلى استباقه لترتيب لقاءات مع شخصيات روسية أخرى، إذ يتضح أنه تحت إشراف معهد روسي أسس بأمر ألكسندر دوغين، الذي يعتبر “دماغ بوتين” نظراً لتأثيره على سياسته. تشمل العلاقة أيضًا التواصل المباشر مع مسؤول آخر مؤثر يدعى فاليري كوروفين، والذي يقوم بانتظام بتحويل الأموال إلى دوغان، مما يعزز الشبكة المعقدة التي تسعى لتشويه سمعة الشخصيات السياسية الأميركية وتعزيز الرسائل الروسية.
ومن الملاحظ أن أنشطة دوغان لا تتوقف عند هذا الحد؛ بل هناك جهود متواصلة من قبل الكرملين لتشويه الحقائق، مثل حملة “دوبلغنجر” التي استهدفت وسائل إعلام رائجة، بالإضافة إلى تمويل المؤثرين الأميركيين عبر قناة “آر تي” الروسية. وقد نفى دوغان في عدة مقابلات أي علاقة بالموساد الروسي أو بالأنشطة الاستخباراتية، مدعيًا استقلاليته.
تحذر التقارير أيضًا من التطورات المستقبلية المقلقة إذا استمر توجيه هذه الجهود نحو تشويه العمليات الانتخابية الأميركية، إذ يعبر الخبراء عن مخاوفهم من أن التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي قد تُستخدم لخلق أكاذيب عميقة تهدف إلى إرباك العملية الانتخابية وإضعاف الثقة في نزاهتها. وفي خضم هذه الأجواء، شدد المسؤولون على أهمية الوعي واليقظة للحيلولة دون تفاقم هذه الأنشطة وتأثيرها السلبي على الديمقراطية الأميركية.