أصدر البروفيسور ديدييه فاسين، الأستاذ في كلية فرنسا والمختص في القضايا الأخلاقية والسياسية، كتابًا بعنوان “هزيمة غربية”. يتناول الكتاب أسباب الموافقة الغربية على الأعمال القاسية ضد الشعب الفلسطيني، مشددًا على أنها تمثل انحدارًا أخلاقيًا عميقًا في العالم الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. يأتي نشر هذا الكتاب في وقت حساس، حيث يتزامن مع التصعيد العسكري الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، وهو ما أدى إلى صمت غريب من قبل الحكومات الغربية. في سياق هذا الكتاب، يهدف فاسين إلى إستكشاف المنطلقات الأخلاقية والسياسية التي سمحت بإبادة الفلسطينيين، مُشيرًا إلى ضرورة توثيق الأحداث لتكون شاهدًا على التاريخ.

استفاض فاسين في تسليط الضوء على ما يُنظر إليه كتخلي الغرب عن مسؤوليته تجاه الفلسطينيين، مُعتبرًا أن دعم دمار غزة ليس تعبيرًا عن قلق تجاه اليهود بسبب المحرقة، بل هو تلاعب بالمسؤولية. تساءل كيف يمكن للفلسطينيين أن يدفعوا ثمن جرائم ارتكبها الأوروبيون عبر التاريخ، مؤكدًا على تفاهة الرؤية التي تُدين الفلسطينيين بدلاً من مواجهة الحقائق التاريخية. استحضر في تحليله كيف يُستخدم استحضار المحرقة في الأجندات السياسية لتبرير دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، مُشيرًا إلى أن ذلك يمثل إشكالية جيوإستراتيجية تتعلق بموقف إسرائيل كحليف للغرب في الشرق الأوسط.

تحدث فاسين أيضًا عن كيف أن السياسات الرسمية والحكومات في الدول الغربية قد بلورت روايات مُعينة عن الأحداث، مُرَكزًا على التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث وصف الهجمات ضد الإسرائيليين بأنها “مجزرة معادية للسامية”. واعتبر أن هذه الرؤية تسهم في تحويل الصراع من كونه مواجهة ضد الاحتلال إلى صراع يُنظر إليه من منظور أمني فقط، مما يُغفل السياقات التاريخية والمعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني. أشار بأنه بدلاً من اعتماد سرد التاريخ كمرجع، فإن السرد الحالي يمحو تلك التجارب المعقدة ويُعزز الهجمة على الفلسطينيين.

تطرقت الصور النمطية والتساؤلات بشأن مدى استجابة العالم الغربي لأحداث العنف في غزة، حيث كانت الردود من معظم القادة دائماً لدعم إسرائيل. إذ أدى التصعيد في 7 أكتوبر إلى حالة من الهلع في أوساط اليهود حول العالم، وهذه الهالة من التأييد الغربي لدولة إسرائيل أدت إلى مناقشات حول التضامن مع المجتمع الإسرائيلي وتجاهل المعاناة الفلسطينية. وكان لوسائل الإعلام دور بارز في تشكيل هذه الصورة، حيث ركّزت بشكل ملحوظ على القضايا التي تهم الإسرائيليين، مُتجاهلة التبعات الكارثية في غزة.

بالإضافة إلى ذلك، عانت المؤسسات الأكاديمية من تأثير سياسي، حيث تجاهلت العديد من المناقشات التحليلية المقاربات الحيادية تجاه الصراع. وبدلاً من التفاعل حول الحقائق والنقاشات الاكاديمية الموثوقة، تم إدانه الكثير من الآراء المبنية على النقد باعتبارها ترويجًا لمعاداة السامية. ومع ذلك، أشار فاسين إلى وجود رغبة قوية بين الأكاديميين والطلاب والمواطنين لتحليل الوضع بعيدًا عن الضغوط السياسية والاجتماعية، معتبرًا أن الأمر يحتاج إلى معالجة موضوعية.

في نهاية حديثه، أوضح فاسين أن التهديد الوجودي الحقيقي ينحصر فقط في الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لمزيد من التهجير والتدمير بسبب الاستيطان. وقام بمقارنة القضية الفلسطينية بنموذج جنوب أفريقيا، مُعتبرًا أن الأمر يتطلب التفكير في طرق جديدة للخروج من دائرة الكراهية المتأصلة بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي. اختتم حديثه بعزمه على تعزيز النقاش حول أهمية احترام حقوق الفلسطينيين واستعادة العدالة في السياسات الدولية.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.