منذ العصور القديمة، اعتمد البشر على البحر كمصدر رئيسي للغذاء، وبرزت مهنة الصيد التي جلبت معها صراعات متعددة على الثروات البحرية. في العموم، يتزايد خطر تحول هذه الصراعات إلى نزاعات مسلحة بين الدول، نظراً لأن الثروة البحرية تعتبر من الموارد الطبيعية المحدودة والتي تلعب دورًا حاسمًا في تأمين الغذاء لملايين البشر. على سبيل المثال، تمثل المنتجات البحرية حوالي خُمس الاستهلاك العالمي من البروتين الحيواني، مما يجعلها سلعة غذائية مهمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن، مع تزايد هذه المتطلبات، نجد مصايد الأسماك تواجه تحديات هائلة منها الصيد الجائر وتغير المناخ، مما يهدد استدامة تلك الموارد ويؤدي إلى خسائر بيئية واقتصادية كبيرة.
تشير التوقعات إلى أن حوالي 23% من الثروة السمكية الموجودة في المياه الإقليمية للدول ستشهد تحركات جغرافية بسبب التغيرات المناخية، مما يضع دولاً عديدة تحت ضغط أكبر لملاحقة الأسماك في أعالي البحار، خصوصًا تلك التي تعاني من اختلالات في توزيع الثروة السمكية. الدول الكبرى مثل الصين مستعدة لتوظيف أساطيل صيدها الضخمة لتأمين الموارد الغذائية، مما قد يؤدي إلى صراعات محتملة في المياه المتنازع عليها في المستقبل. التاريخ يظهر أن مثل هذه النزاعات ليست جديدة، حيث شهدنا منذ منتصف القرن العشرين ارتفاعًا ملحوظًا في الصراعات البحرية التي تركزت في مصايد الأسماك، ما يطرح تساؤلات جدية حول إمكانية حدوث حروب بحرية كبري بسبب الصراع على هذه الموارد الحيوية.
في عام 2022، أظهرت تقارير وثائقية أن جزءًا كبيرًا من الأطعمة البحرية في الولايات المتحدة يُصطاد بشكل غير قانوني مما يفاقم المشكلة البيئية. يشير التقرير إلى أن الصيد غير القانوني يمس الأنواع المهددة مثل التونة والعديد من الأنواع الأخرى. وقد أتُهمت الصين بكونها من أكبر الدول المرتكبة لمثل هذه الانتهاكات، بينما كانت الدول الأوروبية أيضًا لديها حالات مشابهة. وفقًا لقوانين الأمم المتحدة الدولية، لكل دولة الحق في فرض السيطرة على مواردها البحرية ضمن مسافة 200 ميل من سواحلها، لكن هناك نقصٌ في التنسيق الدولي لمنع النزاعات في مناطق الصيد المفتوحة؛ مما يزيد من فرص التصعيد.
بالنظر إلى النزاعات الحديثة، يمكن رؤية منطقة القرن الأفريقي كأحد النقاط الساخنة الضعيفة حيث يتصاعد التوتر بين الصيادين المحليين والأجانب. كما تعرّضت مناطق أخرى لخطر النزاعات نتيجة للضغط البيئي والمنافسة غير المنضبطة، فتكثر النقاط المستهدفة حول العالم، مع التركيز على بحر جنوب الصين حيث تعتبر مصايد الأسماك محورًا لنزاعات متعددة مع دول مجاورة. التمويلات والصراعات الجيوسياسية في هذه المنطقة تشير إلى تصاعد الأزمات المحتملة.
تتعامل الصين بحذر وذكاء في النزاعات البحرية مع الجيران، حيث استخدمت أسطولها من سفن الصيد كوسيلة للحصول على أسبقية في هذه النزاعات. تمثل السفن البحرية أسلحة خفية، تجسد كيف يمكن توظيف الأصول المدنية لأغراض عسكرية دون التصعيد إلى مواجهات مباشرة. على الرغم من كون هذه السفن تُظهر مظهر الصيد التجاري، إلا أنها تُدار من قبل الحكومة وتستخدم كأداة للضغط على المناطق المتنازع عليها.
تحليلات تشير إلى أن هذه الاستراتيجيات تمتد لتشمل مجموعة من التقنيات التي تسطر بيئة جديدة للمراقبة والاستخبارات. هناك قلق متزايد من استخدام هذه السفن لجمع المعلومات حول الحركات البحرية الأخرى، حيث يمثل مشروع “شبكة معلومات المحيط الأزرق” دليلا على سعي الصين لتعزيز مواقعها في الأمن البحري. من الواضح أن استخدام السفن المدنية لأغراض عسكرية، لم يعد موجودًا في دائرة الانحصار على دولة واحدة، بل هو تحرك جماعي بين القوى الكبرى حيث تكشف مثل هذه التقنيات عن نمط جديد في الصراعات البحرية.