تواجه كوريا الجنوبية أزمة سياسية حادة بعد عزل الرئيس يون سوك يول ومحاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية، مما أدى إلى زعزعة استقرار البلاد. وقد أثرت هذه الاضطرابات السياسية سلبا على الاقتصاد، إذ انخفضت قيمة الوون الكوري إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ عام 2009، مما يهدد الثقة بالاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع السياحة -الذي يُعد أحد أعمدة الاقتصاد الكوري الجنوبي- تراجعا ملحوظا، بعدما ألغى بعض السياح الأجانب رحلاتهم إلى كوريا الجنوبية في أعقاب إعلان الأحكام العرفية لفترة وجيزة. ورغم أن الحياة اليومية والأنشطة السياحية استمرت كالمعتاد، فإن هذه الأحداث أثرت سلبا على صورة البلاد بوصفها وجهة سياحية آمنة.
وللاطلاع أكثر على تأثير الظروف السياسية على الوضع العام في البلاد وإلى أين يمكن أن تصل الأمور، التقت الجزيرة خبير السياسات الاقتصادية البروفيسور جيسونغ بارك.
-
ما تأثير الأزمة السياسية على الوضع الاقتصادي والسياحي بشكل عام وعلى العملة الكورية بشكل خاص؟
انخفاض الوون تأثر كثيرا بالأزمة السياسة مؤخرا، ولكنه أيضا انخفاض هيكلي يتفاقم منذ عدة سنوات، ولهذا أسباب اقتصادية بالأساس، وأهمها تباطؤ التجارة العالمية خلال جائحة كوفيد-19، والحرب التجارية الأميركية على الصين، التي أثرت سلبا على قطاع محوري في الصادرات الكورية وهو قطاع أشباه الموصلات، والسبب الهيكلي الأهم هو سياسات سعر الفائدة الأميركية، وإذ إن العلاقات السياسية مع أميركا حاسمة في الصراع مع أميركا الشمالية وحيث إن النظام المالي الكوري الجنوبي مرتبط بشكل وثيق بالنظام المالي الأميركي منذ عقود، فإن كوريا الجنوبية تجد نفسها أحيانا كثيرة مضطرة للتضحية ببعض مصالحها الاقتصادية لأجل الحفاظ على علاقة وثيقة مع أميركا.
أما من الناحية السياحية، فاعتقد أن المياه عادت إلى مجاريها بسرعة، فسرعان ما تبددت الصدمة التي أصابت العالم تجاه كوريا الجنوبية، ونظر الناس بإيجابية لاحترام الرئيس لمؤسسة البرلمان.
-
هل تؤثر المظاهرات الأسبوعية الضخمة المناصرة للرئيس المعزول في إجراءات محاكمته؟
المظاهرات الضخمة أمر اعتيادي في كوريا الجنوبية، فالتيارات السياسية دائما ما تزايد على بعضها بعضا بتنظيم مظاهرات ضخمة، ولا شك أن المظاهرات المؤيدة للرئيس المعزول يون سوك يول قد تؤثر معنويا وسياسيا، حيث يظهر أن فئة عريضة من المجتمع تدعمه، ولكن يستبعد أن تؤثر في مجريات المساطر القانونية، لأن المظاهرات المناهضة له كانت ضخمة أيضا.
لقد رأينا على مدى سنوات مظاهرات مشابهة داعمة للرئيسة السابقة باك غن هيه، ولكن لا يبدو أنها أثرت تأثيرا كبيرا على محاكمتها التي انتهت بسجنها.
-
شاهدنا خلال مظاهرات السبت الضخمة المؤيدة للرئيس المعزول مون جيه-إن وإدارته أنهم يركزون على اتهامات للرئيس السابق وإدارته بالتعاون مع كوريا الشمالية والسعي إلى تحويل البلد للشيوعية، ما حقيقة هذه الاتهامات؟
هذه الاتهامات ليست جديدة، فنحن نسمعها منذ عقود، ولكنها اتهامات غير مبنية على أساس حقيقي.
فأولا، يجب ألا ننسى أن نسبة لا بأس بها من الكوريين الجنوبيين ما زالوا ينظرون إلى الكوريين الشماليين على أنهم إخوانهم، وأن الحدود التي تفصل بين الدولتين هي نتيجة لصراع جيوستراتيجي أميركي سوفياتي (ثم صيني)، صراع لا يستفيد منه الكوريون، بل على العكس. ولا يمكن بالتأكيد وصم هؤلاء الناس بأنهم متآمرون ضد كوريا الجنوبية.

-
ماذا عن الحكومة المؤقتة الحالية، هل تتمتع بشعبية كافية، وما هو الدور المنوط بها؟
الحكومة الحالية هي حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال، في انتظار أن تعقد انتخابات رئاسية جديدة، وبالتالي فان شعبيتها ليست مسألة حاسمة، ومع ذلك قد أظهرت الحكومة المؤقتة تجاوبا مع تطلعات الشعب الكوري الجنوبي في مواقف مختلفة، وينظر لهذا نظرة إيجابية.
-
ما توقعاتك للأزمة السياسية الحالية في البلاد؟ كم تعتقد سيطول هذا الوضع قبل أن تستقر الأمور، ومتى يمكن أن تنتهي إجراءات محاكمة الرئيس المعزول؟
أتوقع أن يستمر التوتر السياسي لعدة أشهر، ربما من 6 إلى 9 أشهر، حتى نهاية 2025 أو بداية 2026، قبل أن تستقر الأمور.
هذا يعتمد على سرعة قرار المحكمة الدستورية في قضية عزل يون سوك يول الرسمي. فالمحكمة لديها 180 يوما من تاريخ تسلم القضية 14 ديسمبر/كانون الأول 2024 أي حتى 12 يونيو/حزيران 2025 للحكم بإقالته نهائيا أو إعادته لمنصبه. كما أن الضغط العام والجدل حول تعيين القضاة قد يدفع المحكمة لتسريع قرارها ليصدر قبل أبريل/نيسان 2025 عندما تنتهي ولاية اثنين من القضاة الحاليين.
وبالنسبة لمحاكمته الجنائية، فقد بدأت الجلسات في 20 فبراير/شباط 2025 ومن المتوقع أن تستمر لأشهر بسبب تعقيد التهم، خاصة مع دفاعه بأنه حاول منع دكتاتورية تشريعية.
وإذا أدين الرئيس المعزول بتهمة التمرد، قد يواجه عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة، لكن القضية قد تمتد حتى نهاية 2025 أو منتصف 2026 إذا استأنف الحكم وهذا متوقع. والاستقرار السياسي مرهون بما إذا كان عزله سيؤدي إلى انتخابات رئاسية جديدة والتي يجب أن تجرى خلال 60 يوما من قرار المحكمة النهائي.
ماذا بعد؟
تعتبر المظاهرات الأسبوعية الضخمة التي تشهدها سول ظاهرة صحية وعلامة على الديمقراطية التي تتمتع بها البلاد، فكوريا الجنوبية تتمتع اليوم بنظام ديمقراطي حيوي يحترم حرية التعبير، ويشهد انتخابات دورية تنافسية، ويعزز ذلك وجود أحزاب سياسية متنوعة، مما يعكس تنوع الآراء والمصالح.
ومع ذلك، تواجه البلاد تحديات مثل الفساد السياسي والانقسامات الاجتماعية، وتعيش حاليا فترة من التوترات السياسية المتزايدة بعد عزل الرئيس يون سوك يول مما يعكس الانقسامات الحادة بين الأحزاب ويؤثر على قدرة الحكومة على تحقيق التوافق والمضي قدما في الإصلاحات الضرورية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد التوترات مع كوريا الشمالية، وانشغال البلاد بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، يزيدان من تعقيد المشهد السياسي، الذي يبدو أن انفراجته بشكل كامل قد تتأخر قليلا.