تونس- أثارت أحكام السجن التي صدرت أمس بحق القيادي بحركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، فيما يعرف بقضية تسفير الشباب التونسي للقتال في سوريا (بين 2012 و2013)، موجة من انتقادات واسعة، إذ اعتبر سياسيون ومحامون أنها تمثل توظيفا قضائيا لتصفية خصوم الرئيس قيس سعيد.

وقضت دائرة مكافحة الإرهاب لدى محكمة تونس الابتدائية أمس بالسجن 34 سنة على العريض. كما أصدرت المحكمة أيضا أحكاما أخرى بالسجن تجاوزت في أغلبها 30 عاما بحق عدد آخر من المتهمين في القضية نفسها.

تصعيد قضائي

وتأتي هذه الأحكام في سياق قضائي تصاعدي، شمل سابقا حكما بـ22 عاما ضد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بقضية “أنستالينغو”، وهي شركة مختصة في صناعة المحتوى الرقمي، اتهمتها السلطة بالضلوع في مؤامرات تهدد الأمن القومي.

كما تأتي في أعقاب صدور أحكام ابتدائية “ثقيلة” في 18 أبريل/نيسان الماضي ضمت عشرات المعتقلين السياسيين من مختلف التيارات فيما يعرف بقضية التآمر، وسط انتقادات داخلية وخارجية لهذه المحاكمات ودعوات للإفراج عن هؤلاء المعتقلين.

وسرعان ما توالت ردود الفعل الساخطة ضد السلطة التونسية، حيث اعتبرت جبهة الخلاص المعارضة -التي تشكل حركة النهضة أبرز مكوناتها- أن هذه المحاكمة “جائرة ولم تراعِ أدنى معايير المحاكمة العادلة”.

واعتبرت الجبهة التي زج بعديد قياداتها في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة، أن قضية التسفير “تضاف إلى سلسلة المحاكمات السياسية التي تهدف لتصفية خصوم الرئيس قيس سعيد”.

وقالت في بيان لها إن المحاكمة جرت عن بعد دون تمكين المتهمين من حق الحضور والدفاع عن أنفسهم، مؤكدة أنها تندرج ضمن “تصفية رموز الطبقة السياسية” التي عارضت “انقلاب” الرئيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.

وكان الرئيس سعيد قد أعلن التدابير الاستثنائية منذ 25 يوليو/تموز 2021، وقام بموجبها بحل البرلمان، واستحوذ على السلطات، في خطوة وصفها معارضوه بـ”الانقلاب”، في حين اعتبر أنصاره الخطوة “تصحيحا” لمسار الثورة بسبب تدهور الأوضاع خلال العشرية السابقة.

من جهتها، أدانت حركة النهضة بشدة الحكم القضائي، معتبرة أنه يأتي في سياق “تصفية رموز الانتقال الديمقراطي”. وأكدت أن “هذا الحكم لا يستهدف فقط العريض، بل يوجه رسالة تهديد لكل من تجرأ على معارضة الحكم الفردي للرئيس سعيد”.

ونددت الحركة في بيان لها بما وصفته بتحوّل القضاء إلى “أداة لتبرير الاستبداد بعد تجريده من استقلاليته ليصبح وسيلة لتمرير أحكام سياسية تهدف إلى ترويع المعارضين وتكميم الأفواه”.

قضية التسفير

وفي سياق متصل، أكد سمير ديلو عضو هيئة الدفاع عن علي العريض، أن القضية تحمل طابعا سياسيا، منددا بالأحكام الصادرة ضده التي سبقتها حملة شيطنة على منصات التواصل لتشويه العريض وبث معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة، وفق تعبيره.

ويضيف للجزيرة نت أن الأبحاث المستفيضة التي أُجريت في هذا الملف لم تسفر عن إثبات أية مخالفة يجرمها القانون وتُنسب إلى العريض، كاشفا أن المحاكمة لم تستند إلى أي معطيات رسمية عن عدد الذين سافروا سوريا وكيفية سفرهم والهدف منه.

وكانت هيئة الدفاع نشرت قبل يومين بيانا كشفت فيه عن وجود خروقات جسيمة في هذه القضية، ورفضت التهم الموجهة إلى العريض الذي قالت إنه اتخذ إجراءات صارمة لمنع السفر إلى بؤر التوتر منذ فترة توليه وزارة الداخلية.

كما أشارت إلى أن العريض كان أول من صنف تنظيم أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا عندما كان رئيسا للحكومة في 2013.

من جهته، يقول المحامي وأستاذ القانون والناشط السياسي عبد الوهاب معطر، تعليقا على قضية التسفير، إن جميع المعتقلين السياسيين الذين يحكم عليهم ستعاد محاكمتهم من جديد عند رحيل السلطة السياسية القائمة.

ويضيف للجزيرة نت أن “جميع هؤلاء المعتقلين السياسيين ليس محكوم عليهم في إطار محاكمة عدلية أو في إطار وجود ملف عدلي، وإنما هم محتجزون قسريا بلا قانون وبلا جرائم أو أدلة مادية ولا أي شيء”.

ويرى أن جميع القضايا المثارة ضد هؤلاء المعتقلين السياسيين هي مفتعلة وكيدية لإصدار أحكام قضائية بتعليمات السلطة السياسية، معتبرا ذلك “جريمة ضد الإنسانية”.

أحكام سياسية بلا أدلة

وحول موقفه من الأحكام بحق العريض، قال القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي للجزيرة نت إن الأحكام تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية القانونية، مؤكدا أن المحكمة لم تقدم أي أدلة مادية تدعم الاتهامات الموجهة إلى العريض.

وأفاد بأن تقرير ختم البحث المنشور (تقرير التحقيقات) لا يحتوي على أي وقائع مادية قابلة للتجريم، مضيفا أن التحقيقات خلال المحاكمة لم تتطرق للقضية الأساسية المتعلقة بالتسفير، بل كانت مجرد استنطاقات تدور حول إمكانية وجود اتصالات بين المتهمين بالقضية.

وكشف أن وزارة الداخلية امتنعت عن تقديم المعطيات التي طلبتها هيئة الدفاع عبر المحكمة بشأن عدد المسافرين إلى سوريا بين 2012 و2013، مما دفع الهيئة للتشكيك في جدية التهم، خصوصا مع غياب أي بيانات أو قوائم تدعم رواية الاتهام.

ويرى الشعيبي أن الاستهداف لا يقتصر على النهضة بل يطال سياسيين وقيادات من أحزاب معارضة، في محاولة لتصفية كل من رفض منظومة 25 يوليو/تموز 2021، معتبرا أن حركة النهضة هي الهدف الرئيسي لحملة الاستهداف السياسي بسبب حجمها الشعبي والسياسي.

مع العلم أن الأحكام الابتدائية الصادرة ضد العريض تسبق المحاكمة المرتقبة الثلاثاء القادم الموافق السادس من مايو/أيار، التي تعلقت بعدد من المسؤولين السابقين ومنهم الغنوشي.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.