|

في أزقة قطاع غزة التي تحولت إلى ركام، وبين البيوت المدمرة والملاجئ المكتظة، تبرز مأساة إنسانية تتجاوز حدود الاحتمال، مأساة يدفع ثمنها الأضعف: أطفال القطاع.

وبعد شهرين من الحصار الإسرائيلي الكامل على تدفقات المساعدات الإنسانية، تتهاوى تدريجيا منظومة الحياة، وتلوح المجاعة واقعا لا احتمالا.

ففي مستشفى بمدينة غزة، توفيت الطفلة جنان السكافي، عمرها أربعة أشهر، بعد معاناة من سوء التغذية.

الطفلة جنان السكافي توفيت في مستشفى بغزة من المجاعة وسوء التغذية الحاد (الفرنسية)

وتقول والدتها، إن وزنها لم يتجاوز 2.8 كيلوغرام، وإنها لم تستطع تأمين الحليب أو الدواء الضروري لها في ظل انقطاع شبه تام للمواد الأساسية.

آية والدة جنان عجزت عن تأمين الحليب والدواء في ظل الحصار الكامل (الفرنسية)

ولم تكن حالة جنان فريدة، بل واحدة من حالات متزايدة لأطفال في غزة يقضون جوعا ومن نقص الرعاية الصحية.

وفي حي آخر من المدينة، ترقد الطفلة رهف، البالغة من العمر 12 عاما، وقد أنهكها الجوع وسوء التغذية حتى لم تعد قادرة على النهوض من فراشها.

الطفلة رهف، ذات الثانية عشرة، ترقد جائعة ولا تقوى على الحركة (الفرنسية)

وكانت والدتها، شروق عياد، تحدّق في وجهها العاجز وتقول بصوت مكسور: “تموت ابنتي أمام عيني، ولا أستطيع أن أفعل لها شيئا. لا دواء، لا غذاء، ولا حتى ماء”.

وحالة رهف أصبحت تجسيدا مؤلمًا لما تعيشه آلاف الأسر في قطاع غزة، حيث لم تعد الأمهات تملك شيئا لحماية أطفالهن من الموت البطيء.

الأم شروق عياد ترى ابنتها تموت أمام عينيها دون أن تتمكن من مساعدتها (الفرنسية)

وفي مستشفى بمدينة خان يونس، يرقد الطفل أسامة، البالغ من العمر خمس سنوات، وقد برزت أضلعه بشكل مؤلم بسبب معاناته من سوء تغذية حاد.

بسبب سوء التغذية وتفشي المجاعة في قطاع غزة يعيش الطفل أسامة الرقب معاناة أكبر من عمره (أسوشيتد برس)

وتقول والدته، منى الرقّب، إن وزن طفلها انخفض بشكل كبير بعد أكثر من خمسين يوما من الحصار الإسرائيلي الكامل، الذي منع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، وتوضح أن “لا شيء متوفر، حتى أبسط المواد الأساسية إن وُجدت، تباع بأسعار خيالية”.

الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا من الجوع وانهيار النظام الصحي (أسوشيتد برس)

وحالة أسامة ليست سوى مثال آخر على الواقع القاسي الذي يعيشه أطفال غزة، حيث يتحول الحصار من إجراء عسكري إلى سلاحٍ يحرم الأطفال من حقهم في الحياة، ويتركهم في مواجهة الجوع بلا حماية.

مخازن الغذاء في غزة نفدت بالكامل بعد شهرين من منع دخول المساعدات (أسوشيتد برس)

وتتوالى التحذيرات من منظمات الإغاثة الدولية من أن الاستجابة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار الكامل، وأعلن برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزوناته الغذائية، وأغلق 25 مخبزا كان يدعمها، إلى جانب توقف غالبية المطابخ المجتمعية.

المنظمات الدولية تحذر من مجاعة جماعية وانهيار إنساني شامل في غزة (الفرنسية)

ومع غياب هذه الخدمات، يُترك السكان إلى مصيرهم في مواجهة الجوع والعطش، وفي شوارع المدينة، أصبح مشهد الناس المتزاحمين حول شاحنات المياه القليلة مشهدا يوميا، وسط مشادات يائسة للحصول على القليل من الماء.

ويؤكد مسؤولون إنسانيون أن الأطفال هم الضحايا الأبرز للحصار المستمر، حيث يفتقرون إلى الغذاء العلاجي والأدوية الأساسية.

وفي ظل استمرار القصف، وغياب الغذاء، وتوقف الرعاية، لم يعد الموت في غزة فعلا مباشرا للحرب فقط، بل للجوع والعطش وانهيار الأمل.

 

 

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version