تعيش بيزونيش، وهي أم لثمانية أطفال، في منطقة بورا في تيغراي، إثيوبيا، حيث تتذكر بشدة الهجوم العنيف الذي مرّت به خلال فترة الحصار الذي تعرضت له تيغراي من قبل الجيشين الإثيوبي والإريتري بين عامي 2020 و2022. الهجوم أسفر عن مقتل زوجها ومئات من أهل القرية، إضافة إلى آثار نفسية جد خطيرة على الناجيات، حيث تعرضت 120 ألف امرأة وفتاة لحوادث اغتصاب ممنهجة، وهو ما يعتبر سلاحًا في الحرب. وعلى الرغم من هذه الأرقام المرعبة، فإن العديد من النساء، مثل بيزونيش، لا يجرؤن على الإبلاغ عن هذه الجرائم بسبب الوصمة الاجتماعية التي تجعل الحديث عن الاعتداءات هذه أمرًا محرمًا.
التأثير النفسي للحرب والعنف الجنسي كان شديدًا، حيث تعرضت الكثير من النساء لأعراض صدمة صعبة، وشعرن بالعزلة والقلق. بيزونيش تصف حالتها النفسية بعد الهجمات بأنها كانت تعاني من توتر شديد، وخصوصاً بعد فقدان زوجها. كما أن بلين، أم لأربعة أطفال، شهدت أفعال العنف والنهب، مما أسفر عن آثار جسيمة على حياتها، بما في ذلك فقدان قدرتها على الإنجاب. هذه الشهادات توضح حجم المعاناة التي عاشتها النساء في تيغراي، وأهمية معالجة آثار هذه المآسي.
للتغلب على هذه التحديات، حاولت مجموعة من النساء بدء مشروع يهدف إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا العنف. من خلال نهج “هال”، الذي تم تطويره بعد الإبادة الجماعية في رواندا، تم إدخال نموذج يستند إلى حلقات دعم أُنشئت لتعزيز الروابط بين الناجيات. تم تدريب متطوعات محليات لتقديم الدعم والمساعدة، مما يعكس رؤية تشاركية تهدف إلى استعادة إنسانية وكرامة النساء المتضررات.
نتيجة لهذا المشروع، بدأت النساء في بورا يجتمعن في حلقات دعم تشجع على المشاركة والتحدث عن الصدمات التي واجهنها، دون الحاجة للتطرق إلى تفاصيل الاعتداءات. المتطوعات يُقدمن تدريبات حول كيفية التعامل مع آثار الصدمة وفهمها، وهو ما يساعد هؤلاء النساء على استعادة الثقة بأنفسهن وتقوية الروابط الاجتماعية بينهن. كما نصبت مجموعة من النساء بيئة آمنة لممارسة الأنشطة الاجتماعية التقليدية مثل احتساء القهوة، مما يُعزز الاحترام والتفاهم في مجتمعاتهن.
ومع نجاح المشروع في بورا، الذي وصل إلى 1320 ناجية، هناك حاجة مستمرة لدعمه لضمان استمراره. تستمر النساء في تطوير حلقات الدعم الخاصة بهن لتشمل التعاون والمساعدة المتبادلة في مواجهة التحديات الاقتصادية الجديدة. هذا التطور يُظهر أن هناك تحولًا تدريجيًا نحو تنظيم المجتمع المحلي وتمكين النساء للحصول على حقوقهن والمشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهن.
على الرغم من الإنجازات التي تحققت، لا يزال الوضع في المنطقة معقدًا، حيث تستمر معاناة النساء جراء الفقر، والفجوة الكبيرة في الموارد الغذائية والصحية. بيزونيش وكيدان تشيران إلى أن الحلول تتطلب تغييرات جذرية في المجتمعات، مثل توفير جسر للوعي حول الصحة العقلية، وضرورة ندوات تعليمية لتغيير المفاهيم الاجتماعية السلبية عن النساء. تغيير هذه الاعتقادات سيكون عملية طويلة، لكنه ضروري لبناء مستقبل أمن ومستقر في تيغراي.