واشنطن- تعد زيارة الرئيس دونالد ترامب أكثر من مجرد عودة رمزية إلى منطقة زارها قبل 8 سنوات، بل هي خطوة هادفة تعكس سياسة خارجية أميركية قيد التشكيل بعد مراجعات طويلة تعبر عن تيار سياسي أميركي داعم للرئيس (تيار “ماغا”) ويعتمد على مبدأ “أميركا أولا”.

وتتركز هذه السياسة على أن تكون العلاقات الدولية واقعية بالأساس، وأن السيادة الأميركية مقدسة، ويتم دفع ثمن الحماية بالاستثمارات المالية والنفوذ الإستراتيجي، بينما ينعدم أو يقل التدخل الأميركي العسكري في الخارج.

ففي كلمته خلال افتتاح جلسات المنتدى الاستثماري السعودي الأميركي في نهاية أول أيام زيارته الخليجية، التي تشمل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، انتقد الرئيس ترامب سياسات الإدارات الأميركية السابقة، التي دعمت التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت عباءة حركة المحافظين الجدد، التي سبق أن قادت السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري.

وقال ترامب “إن الأبراج اللامعة في الرياض وأبو ظبي لم يتم إنشاؤها من قِبل ما يسمى ببناة الأمم، أو المحافظين الجدد أو المنظمات غير الربحية الليبرالية، مثل أولئك الذين أنفقوا تريليونات الدولارات وفشلوا في تطوير كابل وبغداد والعديد من المدن الأخرى”.

وأضاف “في النهاية، دمر هؤلاء دولا أكثر بكثير مما بنوه، بينما كانوا يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها”، وهو ما اعتبر إشارة مباشرة لإرث الرئيس السابق جورج بوش وتدخله العسكري في العراق وأفغانستان.

وتابع ترامب معبرا عن احترامه لخصوصية المجتمعات والدول بالقول “لم يأت السلام والازدهار والتقدم في نهاية المطاف من الرفض الجذري لتراثكم، بل من احتضان تقاليدكم الوطنية واحتضان نفس التراث الذي تحبونه كثيرا”.

شاهد | كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب

أهداف ترامب

اعتبر أندرياس كريج، أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة “كينغز كوليج- لندن”، في حديث للجزيرة نت، أن أهداف ترامب الأساسية من زيارة الخليج العربي تتمثل في 3 أبعاد:

  • أولا: تأمين التزامات ملموسة من الخليج في شكل استثمار صناعي عسكري وتعاون في مجال الطاقة.
  • ثانيا: تعزيز الشراكات الدبلوماسية المتحالفة مع تيار “ماغا”، والتي تساعد الولايات المتحدة على تقليص دورها الخارجي دون تراجعه.
  • ثالثا: إعادة تموضع دول الخليج كوسيط لواشنطن في الخطوط الأمامية في الأزمات الإقليمية، من غزة إلى طهران، دون المبالغة بالانتشار العسكري الأميركي.

ويؤكد الخبير كريج أن هذه تعد طرقا دبلوماسية تستعين بأطراف خارجية، لكنها لا تزال بقيادة الولايات المتحدة.

وفي السياق ذاته، تحدث كريستيان كوتس أولريشسن، خبير الشؤون الدولية بمعهد بيكر في جامعة رايس بولاية تكساس، للجزيرة نت، عن الأهداف الرئيسية العامة لزيارة ترامب، وقال إن “الرئيس الأميركي يرغب في تأمين استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة من دول الخليج”.

وأضاف أن من أهداف ترامب أيضا “تعميق التعاون بين الولايات المتحدة والخليج في قضايا مثل الذكاء الاصطناعي، وإبرام صفقات حول مسائل الأمن الإقليمي، والعلاقات الدفاعية، وعلاقات الطاقة”.

وذكر أولريشسن أن الإدارة الأميركية قد ترغب أيضا برؤية دول الخليج تقلل من مستوى علاقاتها مع الصين، “لكن من غير المرجح أن يحدث هذا عمليا” حسب قوله.

محللون يرون أن ترامب ينظر إلى دول الخليج كقوة استقرار (غيتي)

نهج غير تقليدي

تعاملت إدارة ترامب بطرق غير تقليدية مع أهم قضايا المنطقة منذ وصول ترامب لسدة الحكم في يناير/كانون الثاني الماضي، واتخذ ترامب مواقف مغايرة غير تقليدية تجاه قضايا مفصلية لمنطقة الشرق الأوسط، على رأسها أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والبرنامج النووي الإيراني، وجماعة الحوثيين والملاحة في البحر الأحمر، مع تراجع أهمية توسيع اتفاقيات التطبيع (الاتفاقيات الإبراهيمية).

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الخبير كريستيان كوتس أولريشسن، إلى أنه من غير المرجح أن يتم التوصل إلى أي انفراجة في مجال التطبيع في غياب أي تنازلات إسرائيلية ذات مغزى بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، وقال “كان هذا هو الحال منذ بعض الوقت، ويبدو أن البيت الأبيض قد فهم هذا الواقع واعترف به لاحقا”.

من جانبه، اعتبر المحلل أندرياس كريج، أن “استبعاد إسرائيل ليس صدفة، إنها رسالة إستراتيجية. تميل سياسة ترامب الخارجية بعيدا عن الاصطفاف التلقائي مع التفضيلات الإسرائيلية، لا سيما وأن تل أبيب تجر واشنطن بشكل متزايد إلى تصعيد إقليمي”.

وأكد كريج أن ترامب ينظر إلى الخليج كقوة استقرار، بينما ينظر إلى إسرائيل -خاصة في عهد نتنياهو- على أنها مصدر للتقلبات، ويقول “في هذا السياق، لم تعد إسرائيل الشريك الذي لا غنى عنه كما كانت في السابق، وبعبارة أخرى، برز الخليج كمشارك إيجابي للقوة الأميركية في المنطقة، في حين أصبحت إسرائيل مستغلة سلبية للقوة الأميركية، وهذا لا يتناسب مع تيار ماغا”.

وفي رده على سؤال حول مصير ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، رد كريج بالقول إنه “سيتم التعامل معه على الأرجح عن طريق وضعه على الرف” (بمعنى تجاهله).

وأضاف موضحا إن “تحول ترامب نحو الدبلوماسية الخليجية يقلل من أولويات المطالب الإسرائيلية، خاصة في الوقت الذي تستمر فيه غزة بالاحتراق، وفي الوقت ذاته ينفد الصبر الإستراتيجي السعودي”.

واستدرك بالقول إن “مسار التطبيع لم يمت، لكنه الآن رهينة لأولويات أخرى، وهي خفض التصعيد في غزة، وفتح القنوات الخلفية الأميركية الإيرانية، والتحوط الإستراتيجي الخليجي”. وقال إنه “من غير المرجح أن ينفق ترامب رأس ماله على صفقة لا تحظى بشعبية دون مكاسب على المدى القريب”.

توافق خليجي أميركي

جاءت زيارة ترامب بعد أيام من انتهاء إيجابي لجولة رابعة من مفاوضات أميركية إيرانية برعاية عُمانية، حول برنامج إيران النووي، كما سبق الزيارة توصل إدارة ترامب لاتفاق منفرد لوقف إطلاق النار مع جماعة الحوثيين في اليمن.

واعتبر الخبير أولريشسن أن المحادثات الأميركية مع إيران قضية منفصلة، لكن دول الخليج تتابعها من كثب، واعتبر أن زيارة ترامب ستكون “فرصة لقادة الخليج لتوضيح رغبتهم بإزالة المخاطر الإقليمية، وإقناع الإدارة الأميركية أن تعهدات الاستثمار في الولايات المتحدة ستتعرض للخطر بسبب أي تصعيد للتوترات مع إيران يصل إلى حد الصراع”.

من جانبه، يرى الخبير كريج أن زيارة ترامب “تساعد في تأطير مسار دبلوماسي بمساعدة الخليج مع إيران، ومع لعب عُمان وقطر دور القوات الخلفية بينهما، فإن وجود ترامب في المنطقة يعزز هذه القناة الخلفية التي توسطت فيها دول الخليج”.

موضحا أنه “بدلا من التصعيد مع إيران، فإن وجهة نظر ماغا هي التعامل والردع والحد من المخاطر، وبالتالي، فإن زيارة ترامب إلى الخليج هي جزء من جهد منسق لبناء إطار جديد لإيران، يؤمّن المصالح الأميركية بتكلفة منخفضة”.

وعن الآثار المترتبة على وقف إطلاق النار الأخير بين واشنطن والحوثيين على زيارة ترامب، قال الخبير أولريشسن أن دول الخليج “تأخذ إعلان وقف إطلاق النار مع الحوثيين كعلامة مطمئنة في المنطقة، حيث لا ترغب المملكة العربية السعودية ولا الإمارات أو أي من دول الخليج الأخرى باندلاع صراع آخر في اليمن يمكن أن يؤثر على إستراتيجياتها الإقليمية لإزالة المخاطر”.

بدوره، رأى السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، في حديثه للجزيرة نت، أن ترامب قد “لا يحل أزمة الشرق الأوسط، لكنه على الأرجح سيكسب الوقت حتى يتم تغيير الحكومة في إسرائيل، بما يجعل الحل الإقليمي الدائم لاحقا أكثر احتمالا”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version