الدوحة- انطلقت، مساء اليوم السبت، في الدوحة فعاليات مؤتمر الحوار العربي الإيراني الرابع، والذي يستمر من 10إلى 12 مايو/ ايار الجاري، تحت عنوان “علاقات قوية ومنافع مشتركة”، بمشاركة نخبة من المسؤولين والدبلوماسيين والباحثين من الجانبين العربي والإيراني.
ويأتي هذا المؤتمر في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز أواصر التعاون وبناء جسور الثقة بين الطرفين، في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات متزايدة تتطلب تنسيقًا أوثق ورؤى مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.
وقال رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، خلال افتتاح المؤتمر، إن هذه المنصةُ الفكريةُ تُعقدُ في سياقٍ إقليميٍّ معقّد، يتطلبُ نقاشًا فكريًّا معمقًا وتفكيرًا استراتيجيًّا لتجاوزِ التحدياتِ الراهنة.
وأوضح أن هذا الحوار لا يقتصرُ على البُعد الجغرافي، بل ينطلقُ من تاريخٍ طويلٍ من التفاعلِ الحضاريِّ والمصالحِ المشتركة، يستدعي بحثًا معمقًا واستقصاءً معرفيًّا لفهم أبعاد العلاقة، واستشراف آفاق تعاونٍ مثمرٍ ومستدام.
علاقات ومنافع
وتأتي دورةُ هذا العام، تحت شعار “علاقاتٌ قويةٌ ومنافعُ مشتركة”، لتؤكدَ على أهميةِ استمراريةِ الحوارِ وتعميقِه، انطلاقًا من قناعة أن بناءَ علاقاتٍ قائمةٍ على المصالحِ المشتركةِ هو السبيلُ الأمثلُ لتحقيقِ التنميةِ المستدامةِ وتعزيزِ الاستقرار.
وقال الشيخ حمد بن ثامر” إننا اليوم معنيونَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى بالبحثِ عن مقارباتٍ جديدةٍ لدراسة آلياتِ تسويةِ النزاعاتِ وتعزيزِ الاستقرار الإقليمي، من خلالِ أبحاثٍ معمقةٍ ونقاشاتٍ فكريةٍ رصينةٍ، بما يفتحُ آفاقًا جديدةً لتعزيز العلاقات العربية-الإيرانية”.
وفي السياق رحب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة بالمفاوضات الإيرانية-الأميركية التي تستضيفها سلطنة عمان، راجيا أن تتوج بالتفاف يخدم مصالح جميع الأطراف وينهي حالة القلق الإقليمي ويكون لبنة أساسية في الاستقرار العالمي.
وأضاف: نتطلَّعُ إلى نقاشاتٍ عميقةٍ وصريحةٍ خلالَ اليومينِ المقبلين، ترتكزُ إلى تحليلٍ موضوعيٍّ ورؤيةٍ استراتيجية، بما يفتحُ آفاقًا جديدةً للتفاهمِ المتبادلِ ويعزِّزُ أسسَ التعاونِ الفكريِّ والمعرفيّ، وإنَّنا على ثقةٍ بأنَّ هذه الحواراتِ ستسهمُ في صياغةِ مقارباتٍ علميةٍ قادرةٍ على مواجهةِ التحدياتِ الإقليميةِ وتعزيزِ الاستقرارِ والتنمية في منطقتِنا.

حسن جوار
من جهته قال وزير الخارجية الإيران عباس عراقجي ، إننا اجتمعنا اليوم لنتشارك الرؤى في سبيل تعزيز التفاهم والتعاون بين دولنا، ولا شك أن العلاقات الطيبة بين ايران والعالم العربي على مر التاريخ وفي إطار الحضارة الإسلامية العظيمة قد أهدت إنجازات قيمة لهذه الحضارة وللعالم بأسره، وهي تعد اليوم من التراث الإسلامي المشترك وتبعث فينا جميعا الفخر والاعتزاز.
وقال ،خلال كلمته بالمؤتمر، إن منطقتنا التي كانت مهداً للحضارات العريقة والأفكار السامية والثقافات الغنية منذ القدم هي اليوم في حاجة إلى التفاهم والتضامن والتعاون المتبادل أكثر من أي وقت مضى، موضحا أن إيران بنظرتها الحضارية إلى محيطها تدعم خطاب التفاهم والوحدة الاقليمية.
وتابع إننا نؤمن ايمانا راسخاً بمبدأ حسن الجوار ووفقا للسياسات المبدئية للجمهورية الإسلامية الإيرانية فإننا نولي أهمية قصوى لتحقيق الوفاق الإقليمي ونصر على تحقيق ذلك.
وقال: لقد شهدنا خلال العام الماضي تطورات كبيرة في منطقة غرب اسيا وهذه التطورات رغم مرارتها أدت إلى تقارب وجهات النظر بين دول المنطقة، والوصول إلى تفاهم مشترك في مواجهة هذه التهديدات، واليوم يمكننا القول إننا دخلنا مرحلة أعلى من الحوار والتعاون الإقليمي.
وأوضح أنه خلال العام الماضي استطعنا أن نعقد أول اجتماع مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولو انه كان غير رسمي، وهذا المسار يظهر التوجه نحو علاقات أقوى مع مراعاة المصالح المشتركة لجميع الدول المطلة على هذا الممر المائي الاستراتيجي أي الخليج العربي وبحر عمان.
https://t.co/VsFfC1DIDM
— الجزيرة للدراسات (@AJStudies) May 10, 2025
قواسم مشتركة
وتابع وزير الخارجية الإيراني” لقد أدركنا أن ما يجمعنا من قواسم مشتركة أكثر بكثير مما يفرقنا، وأن نقاط الخلاف إنما فرضت علينا من الخارج بشكل مصطنع، ومع ذلك فإنه لا يمكن اليوم تحقيق أهداف الأمة الإسلامية وغض الطرف في الوقت نفسه عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني”.
وتابع إن الكيان الصهيوني يعد التهديد الأكبر للأمن والسلام في المنطقة، والولايات المتحدة من خلال دعمها لهذا الكيان أصبحت شريكاً متواطئاً في جرائمه، كما أن فكرة حل الدولتين التي كانت لسنوات طويلة مجرد وهم يستخدام لإضاعة الحقوق الفلسطينية قد الغيت رسميا من قبل الكيان الصهيوني اليوم، وأصبح هذا الكيان يعمل على التهجير القسري للشعب الفلسطيني باستخدام أبشع أساليب الإبادة الجماعية.
وشدد على أن قضية فلسطين اليوم أهم وأخطر من أي وقت مضى، ووقف الإبادة الجماعية في فلسطين ومنع تنفيذ مشروع إزالة الشعب الفلسطيني هو مسؤولية قانونية وأخلاقية ودينية واستراتيجية تقع على عاتقنا جميعا، ولا ينبغي أن نغفل في الوقت نفسه عن التوسع العدواني المستمر لهذا الكيان في المنطقة.
وأكد أن الكيان الصهيوني ومنذ أكثر من ثمانية عقود كان ولا يزال مصدر لعدم الاستقرار والتهديد والحروب، وقد اعتدى هذا الكيان على جميع جيران فلسطين المحتلة، وهو الآن إلى جانب إبادته لغزة يواصل هجماته واعتدائه الإرهابي على سوريا ولبنان وقد هاجم اليمن مرارا وتكرارا.
وأوضح المسؤول الإيراني أنه لا شك أن الهدف من هذا الاعتداء هو التدمير والاضعاف وسفك الدماء في دول العالم الإسلامي واحتلال مزيد من الأراضي، و أن التصدي لهذه الأعمال الشريرة هو واجب قانوني واخلاقي يقع على عاتق جميع حكومات المنطقة.

خطاب إقليمي
وأشار عراقجي إلى أنهم يؤمنون أن الطريق الوحيد نحو مستقبل آمن ومستقر يكمن في تعزيز خطاب إقليمي قائم على الاحترام والتعاون والتعايش والمصالح المشروعة لجميع الأطراف، مؤكدا على الحاجة إلى تعزيز الثقة والتفاهم المتبادل.
وأوضح أن هذا الملتقى يعد خطوة في حد ذاته في التفاهم بدلا عن المواجهة كما أن الخطوة التالية هي تصميم آلية مؤسسية لاستمرار هذا الحوار وتعزيز قنوات التواصل بين النخب في مشاريع جماعية بالتفكير المشترك بالقضايا الإقليمية.
وتناول عراقجي موضوع المحادثات المباشرة بين ايران والولايات المتحدة، والتى ستعقد جولتها الرابعة غدا فى سلطنة عمان، مشددا على أن إيران تعتبر أن الحصول على الأسلحة النووية واستخدامها أمراً محرماً وكانت دائماً عضوا ملتزماً بنظام عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، لكن في الوقت نفسه تصر على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بما في ذلك موضوع التخصيب.
وتابع: نحن نواصل محادثنا مع الولايات المتحدة وأيضا مع أوروبا وروسيا والصين بحسن نية، واذا كان الهدف من هذه المفاوضات هو ضمان عدم امتلاك ايران للسلاح النووي، فهذا الهدف متحقق اصلاً وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاق هو امر في متناول اليد، لكن ان كان الهدف هو حرمان ايران من حقوقها النووية وفرض مطالب غير واقعية وغير منطقية فأننا نقول بكل وضوح أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتنازل بأي شكل عن حقوق شعبها العظيم.

أمن وتكامل اقتصادي
وقال الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزير الخارجية الأسبق، إن ازْدِهَارُ أَي مَنْطِقة يتطلبُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، التزامًا جَمَاعِيًّا مِنْ أَعْضائها بالسلام والاستقرار. وَيَجِبُ أَنْ يُبْنَى مُسْتَقْبَلْ أَي مَنْطِقة على أيدي دولها، على أساس الاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ، وَتَكَافُوْ السَّيَادَةِ، وَالشُّعُورِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ المُشتركة، لأن الأمن الجماعي لا يُسْتَوْرَدُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُنْشَأْ مِنَ الدَّاخِلِ، دُونَ تَدَخُلِ خَارِجِي.
واكد أن الْجُمْهُورِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الإِيرَانِيَّةُ تدعم إِيجَادَ بِينَاتٍ شَامِلَةٍ وَمُسْتَدَامَةٍ لِلْجَوَارِ بَيْنَ دُولِ الْمِنْطَقَةِ مِنْ أجل تعزيز السلام والاستقرار والازدهار.
وأوضح أنه فِي الْمَجَالِ الاقْتِصَادِي، تَمْتَلِكُ إِيرَانُ رُؤْيَةً لِتَقَدِّمِ المِنْطَقَةِ قَائِمَةً عَلى التَّعَاوُنِ الْجَمَاعِيَ وَالتَّنْمِيَةِ الْمُشْتَرَكَة.
وأضاف: تَدْعَمُ إِيرَانُ الاقْتِصَادَاتِ الْمُكَمِلَةَ فِي الْمِنْطَقَةِ بَدَلًا مِنَ الاقْتِصَادَاتِ الْمُتَنَافِسَةِ، وَتُرَجَبُ بِالْمُقْتَرَحَاتِ الَّتِي تُعزِّزُ التَّجَارَةَ الْإقْلِيمِيَّة البَيْنِيَّة والاستثمار في مجالاتٍ مِثْلَ: الطَّاقَةِ، وَالنَّقْلِ، وَالْخِدْمَاتِ اللوجستية، والسياحة تنويعُ اقْتِصَادِ الْمِنْطَقَةِ هَدَفٌ مُسْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ التَّعَاوُنِ.
وقال انه في قطاع الطاقة تَحْدِيدًا، هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنَ الفرص لِلتَّعَاوُنِ فِي الْمِنْطَقَةِ، لَيْسَ فَقَطْ فِي مَجَالِ النَّفْطِ وَالْغَازِ، بَلْ أَيْضًا فِي كَفَاءَة استخدام الطاقة وتطوير التقنياتِ الْحَدِيثَةِ وَالْمُتَجَدِّدَةِ. وَمِنْ خِلَالِ مُوَاءَمَةِ سِيَاسَاتِنَا، يُمكننا تعزيز دور منطقتنا فِي أَمْنِ الطَّاقَةِ الْعَالَمِي.
منصات مشتركة
واضاف أن المنطقة تواجه تحدياتٍ عَمِيقَةً وعاجلة، وعلى رأسها الكارثة الإنسانِيَّةُ المُسْتَمِرَّة في قطاع عَزَّةَ فَالْكِيانُ المُختَل، وباستخدام الأسلحة الغربية، يُواصل ارتكاب جرائم ضدَّ الشَّعْبِ الفلسطيني بشكلٍ مُمَنهج وَيَقْتُلُ الْمَدَنِتِينَ يَوْمِيًّا، بمن فيهم الأطفال والنِّسَاءُ وَكِبار السن، كما يَسْتَخْدِمُ الْمَجَاعَةُ كَسِلاحٍ حَرْبٍ مِنْ خِلالِ مَنْعِهِ دُخول الْمَاءِ وَالطَّعَامِ إِلى غَزَّةَ.
إِنَّ مُمارسات الكيان الصهيوني في المِنْطَقَةِ لا تَقْتَصِرُ عَلَى احْتِلالِ غَزَّةَ عَسْكَرِيًّا، بَلْ يَسْعَى هَذَا الْكِيَانُ لِتَحْقِيق أطماعه التوسعية تَحْتَ شِعار مِنَ اللَّيلِ إلى الْفُراتِ”، وَيَقُومُ بِعُدْوَانِهِ الْمُسْتَمِر عَلى لُبْنَانَ وسوريا بِهَدَفِ تَقْسِيم تِلْكَ الدُّوَلِ.
وتابع إنه أمام هذه الأزمات، لا بديل عن تعزيز التضامن والتنسيق الإقليمي ويَجِبُ عَلَى دُولِ الْمِنْطَقَةِ تَوْحِيدُ جهودها الدبلوماسية، والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وَتَفْعِيلُ الْآلِيَاتِ القانونية الدولية لمواجهة جرائم الْحَرْبِ الَّتي يَرْتَكِبُهَا الْكِيانُ الإِسْرائيلي.
كَذلِكَ، يَجِبُ إِنْشَاءُ مِنْصَاتٍ مُشتَرَكَةٍ لِلْمُساعدات الإنسانية، وصندوقِ لِدَعْمِ النَّازِحِينَ، وَإِعَادَةِ إعمار المناطق المنكوبة بِالْحَرْبِ فَالسَّلامُ والعدالة والتنمية لا تَتَحَقَّقُ إِلَّا مِنْ خِلالِ الْعَمَلِ الجماعي.