الدوحة- في زيارة هي الثانية من نوعها من توليه الحكم، يبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة إلى قطر، غدا الأحد، وذلك في توقيت بالغ الأهمية، ليس فقط على صعيد العلاقات الثنائية، بل على مستوى التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، خصوصا في قطاع غزة.

وتتقاطع الجهود القطرية المصرية في العمل على وقف إطلاق النار، واحتواء التصعيد، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني. وتشهد العلاقات القطرية المصرية دفعة قوية ومتواصلة تعكس إرادة سياسية واضحة لدى قيادتي البلدين لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات.

ويتجلى التعاون بوضوح في التنسيق المستمر والتشاور الوثيق بين الطرفين خاصة في دور الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل لوقف العدوان على غزة، والذي تبلور مؤخرا في هدنة لوقف إطلاق النار لم تصمد طويلا لكنها نجحت في إطلاق سراح أسرى من الجانبين وعودة النازحين إلى شمال غزة.

وتشهد العلاقات القطرية المصرية تحولات كبيرة، مدفوعة بالرغبة المشتركة في فتح آفاق جديدة للتعاون المبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وضمن شراكة إستراتيجية تتجلى في مواقف ملموسة وتنسيق سياسي متقدم.

الرئيس السيسي يتحدث مع أمير قطر الشيخ تميم والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط خلال قمة القاهرة الدولية للسلام (رويترز)

تقارب وتنسيق

وتعد زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة دليلا على مستوى الثقة بين القيادتين، وحرصهما على البناء فوق ما تحقق خلال السنوات الماضية من تقارب وتنسيق في ملفات إقليمية ودولية حساسة، حيث تلعب قطر ومصر دورا محوريا في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ويتحرك البلدان بثقل دبلوماسي واضح، وبقنوات اتصال مفتوحة مع مختلف الأطراف.

وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، يبرز التنسيق القطري المصري كأحد أهم أركان التحرك العربي والدولي الرامي لوقف التصعيد والعودة إلى طاولة الحوار.

ولم يكن التنسيق في الملف الفلسطيني وليد اللحظة، بل سبقه تعاون ميداني وإنساني ملحوظ بين البلدين منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة؛ حيث نسقت قطر ومصر بشكل فاعل لإيصال المساعدات الإنسانية، والعمل على إجلاء الجرحى والمرضى، وفتح المعابر أمام قوافل الإغاثة.

كما شاركت الدولتان في الجهود الأممية والدولية الرامية لفرض هدنة إنسانية، وكان لهما دور حيوي في دعم صمود الشعب الفلسطيني سياسيا وإنسانيا، وهو ما يعكس التزاما عربيا مشتركا لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يشمل العمل الميداني المباشر.

رفض الوقيعة

وفي ضوء تنامي الشراكة بين البلدين، أكدت قطر بشكل رسمي رفضها القاطع لأي محاولات للإساءة إلى العلاقات القطرية المصرية أو التشكيك فيها، وصدر مؤخرا بيان من الدوحة جدّد التأكيد على متانة العلاقة بين القيادتين والشعبين، وعلى حرص دولة قطر على تطوير التعاون مع مصر في جميع المجالات.

وأشار البيان إلى أن “بعض الجهات الإعلامية الخارجية” تسعى إلى إثارة البلبلة وبث الفتنة بين الأشقاء العرب من خلال تضليل ممنهج ومحتوى مفبرك لا يعكس حقيقة العلاقات، مؤكدة أن هذه المحاولات مكشوفة ولن تؤثر على المسار الثابت للتقارب والتعاون بين الدوحة والقاهرة.

ومن المتوقع أن تفتح هذه الزيارة الباب أمام مزيد من التعاون في مجالات متعددة، من بينها الاقتصاد والاستثمار والطاقة والتعليم والإعلام، إضافة إلى التنسيق الأمني والسياسي حول ملفات إقليمية أخرى مثل السودان، وليبيا، وسوريا.

كما تؤكد الزيارة أن العلاقات القطرية المصرية تجاوزت مرحلة إعادة البناء، ودخلت مرحلة الشراكة الفاعلة والمؤثرة في قضايا الأمة. كما يثبت التنسيق بين الدوحة والقاهرة أن التضامن العربي ليس أمنية، بل خيار إستراتيجي يمكن أن يصنع الفارق ويُسهم في تحقيق الاستقرار، وفتح نوافذ الأمل أمام الشعوب العربية.

الحرمي يعتبر وقف إطلاق النار في غزة أكبر المكاسب التي حققتها الوساطات القطرية حتى الآن (الجزيرة)
الحرمي: الزيارة تؤكد أن العلاقات القطرية المصرية قوية رغم محاولة البعض الإساءة لها (الجزيرة)

رسائل عديدة للزيارة

وقال رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية جابر الحرمي في تصريح للجزيرة نت، إن الزيارة مهمة وتحمل رسائل عديدة في هذا التوقيت المهم، ونحن نعرف جيدا أن الدوحة والقاهرة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة تقومان بوساطة حميدة وتنسيق عالي المستوى.

وأكد أن هذه الزيارة اليوم تعزز التنسيق القطري المصري وتؤكد أن العلاقات القطرية المصرية قوية رغم محاولة البعض الإساءة لها والتضليل حولها من خلال بث أخبار غير حقيقية وبالطعن في هذه العلاقات. لذا، تأتي هذه الزيارة اليوم لتؤكد عمق العلاقات وأن هناك تنسيقا عالي المستوى بين قيادتي البلدين.

وأشار الحرمي إلى أن الزيارة تؤسس لعلاقات أكبر وتنسيق أكثر في كل المجالات سواء كان ذلك على العلاقات الثنائية أو فيما يتعلق بالمستجدات الإقليمية والتأكيد على موقف البلدين فيما يتعلق بالأحداث في غزة والمضي قدما في موضوع الوساطة ووقف العدوان في هذه المرحلة الدقيقة والعصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

وأوضح أن هناك سعيا قطريا مصريا جادا لوقف العدوان على غزة، وأن العلاقات القطرية المصرية لن تتأثر بأي محاولات لضرب هذه العلاقات؛ واصفا التنسيق بين البلدين بأنه مهم جدا في هذه المرحلة التي تستوجب كأمة عربية الوقوف معا وتجاوز التحديات كلها.

ماجد الجبارة: دور قطر في الوساطة يثبت مدى التزامها بالدبلوماسية النزيهة وإرادة الخير لكل الشعوب ( الجزيرة)
ماجد الجبارة: زيارة الرئيس السيسي للدوحة تعكس عمق العلاقات وأهمية التكاتف العربي (الجزيرة)

نموذج للبناء عليه

من ناحيته، أكد مدير تحرير صحيفة الراية القطرية ماجد الجبارة للجزيرة نت، أن زيارة الرئيس السيسي للدوحة تعكس عمق العلاقات وأهمية التكاتف العربي، موضحا أن العلاقات القطرية المصرية شهدت في الفترة الأخيرة تطورا ملحوظا على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والإعلامية، وهو ما يؤكد أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تعاون بنّاء وتكامل فعلي بين بلدين عربيين لهما ثقل كبير في المنطقة.

وقال الجبارة، إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة تشكل خطوة جديدة نحو ترسيخ هذا المسار، وتعزيز أواصر التعاون بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية. مضيفا: “نحن نتابع هذه التحركات بكثير من التفاؤل والإيجابية، وننظر إلى هذه الزيارة باعتبارها مؤشرا واضحا على مدى النضج السياسي الذي باتت تتسم به العلاقات البينية في المنطقة، وخصوصا بين الدوحة والقاهرة”.

ويعتقد الجبارة أن زيارة الرئيس السيسي للدوحة ليست فقط زيارة رسمية ضمن جدول العلاقات الدبلوماسية، بل هي رسالة واضحة لكل الشعوب العربية بأن وحدة الصف والتقارب العربي لم تعد شعارات، بل واقعا يتحقق بخطوات ملموسة على الأرض.

وأشار إلى أن الأزمات الإقليمية والدولية التي يمر بها العالم، من الحروب والصراعات إلى الأزمات الاقتصادية وتغير موازين القوى، أثبتت أن العمل العربي المشترك لم يعد ترفا سياسيا، بل أصبح شرطا أساسيا للبقاء والتأثير. ومن هنا، فإن التعاون القطري المصري نموذج يمكن البناء عليه وتطويره ليشمل مختلف القطاعات، من الاقتصاد والطاقة إلى الإعلام والثقافة والتعليم.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.