• كانت أعجوبة في عالم اللحن والغناء والإيقاع وأمتعت الناس بأدائها البديع
  • أبدعت في مجالها الفني مع فرقتها وشاركت في أعمال مسرحية وظهرت في فيلم تسجيلي
  • عواد سالم كان الرجل الوحيد في فرقتها وكانت له أعمال خاصة به على صلة بالتراث الغنائي
  • شكّلت قامة في التراث الشعبي لوطنها ومثالاً لا يُضاهى في مجال الخير والإنسانية
  • مُوثِّق الغناء الكويتي القديم الأستاذ أحمد علي أمدّته الفنانة عودة بـ 18 إيقاعاً على «الطار»

عشت عصرا لم يشهد وسائل الترفيه على الصورة التي نراها في وقتنا الحاضر، كانت الحياة فيه أقرب إلى الصمت لولا أننا قد سعدنا بوجود عدد من الذين أنعشوا الأجواء من حولنا، وأمدوا حياتنا بنوع من الرفاهية عن طريق الفنون الغنائية المختلفة التي كنا نطرب لها، مع ما اتصل بها من حركات إيقاعية، وكان هؤلاء الذين أثاروا فينا الأنس باستماعنا إليهم، وبمشاهدة حركاتهم أثناء قيامهم بتقديم فنونهم عنصرا من عناصر سعادتنا آنذاك، فكان ذلك سببا من أسباب عدم إحساسنا بروتين الحياة المزعج، وإن كانت الأمور – آنذاك – أيسر مما هي عليه الآن، إذ من المعلوم أن لكل زمن إيقاعه، وما به من خير أو شر.

أما الآن فأنا في سبيلي إلى عرض إحدى ذكرياتي المهمة التي أسعدني زماني بها، وكان بها ما يؤنسني، ويفتح لي مجال التفاؤل والانشراح.

ولكن ما ينبغي أن أبدأ به هنا هو هذه اللمحة العاجلة عن بعض الفنون الشعبية التي كانت الفرق الفنية النسائية تقدمها للجمهور الكويتي في الفترة التي أشرت إليها. فلقد كانت فنونا متنوعة يترقبها الناس جميعا، صغارا وكبارا، وكانت للفنانات الشعبيات جولات في مناسبات مختلفة في الأحياء وبين السكان حيث يقدمن أنواعا مختلفة من فنونهن المحببة إلى النفوس، ومنها:

(أ) الجلاعات: في بداية شهر شعبان تطوف جماعات من الفرق الشعبية النسائية على المنازل، حيث تقدم كل فرقة نشيدا معروفا، يدل على طلب المعونة بمناسبة قدوم شهر رمضان. والتنبيه إلى قدوم الشهر الكريم. ونتيجة لذلك فإنهن يحصلن على بعض النقود وبعض المواد الغذائية ومنها الحبوب بالذات، ثم يقسم ذلك بين أفراد الفرقة. ويطلق على هذا العمل – أيضا – طالبين الكريم، لأن الأغنية التي يدور عليها عملهن تقول:

طالبين الكريم

وماشين ابمداه

يا عِل عمره طويل

ويا الله يا كريم

وهكذا…

(ب) العايدوه: الفرقة المذكورة في (طالبين الكريم) لها جولات أخرى في شهر ذي الحجة، وهذا الشهر فيه مناسبتان هما عيد الأضحى المبارك، وعودة الحجاج من حجهم، أيام رحلات الإبل إلى هناك.

ويسمى هذا العمل: العايدوه، بمعنى أننا – أيها الفرقة – نعود إليكم مرة أخرى مقدمين هذا اللحن القديم والكلام الذي لا يعرف قائله بسبب القدم، طالبين المعونة بهذه المناسبة التي نطرق فيها أبوابكم قائلين:

أو يا العايدوه

أو يـا العايـدوه

جيناك يا البيت

الكبير العـــالي

أو جدام بيتك

مجلس وارجال

وفي ذلك – أيضا – ما يدل على الحج، وهو:

وجَانا مــن الحجاج

اخطوط امشـعشعه

قـــرا لهـــــم ولــــدك

وأمّــــه تسمعـــــــه

أما أغاني الأعراس، فهي متنوعة بحسب الترتيبات التي كان الناس حريصين على اتباعها في حفلاتهم المماثلة، وفيها يجري غناء الأغاني المتنوعة، بحسب كل خطوة من خطوات الاحتفال القائم بهذه المناسبة المهمة في حياة الأسر الكويتية، وقد يكون من الإطالة في القول أن نذكر كل ما كان يدور في هذه المناسبات السعيدة، ولذا فإن الإشارة تكفي عن الإطالة.

ولكننا لا ننسى أغنية تغنيها الفرقة النسائية للعريس (المعرس)، وهي التي جاء فيها قولهن:

يا معريس عين الله تراك

القمر والنجوم تمشى وراك

ولهذا النشيد نص مختلف غناه أحد المطربين المتأخرين. وكانت من أشهر ما غنته هذه الفرق في الأعراس ما يتردد عند دخول المعرس إلى قفص الزوجية، حين يتردد على ألسنة الطقاقات وعلى رأسهن عودة المهنا:

عليك اسعيد عليك اسعيد

عليك أسعيد وامبارك

عليك أسعيد وامبارك

***

وكان من أغاني المناسبات ما تقدمه الفرق النسائية الفنية في موسم الربيع حين يخرج الناس عندنا في رحلاتهم التي يقضونها في خارج العاصمة بمناسبة حلول هذا الفصل الجميل من فصول السنة، وهؤلاء يخرجون من نظام حياتهم المعتاد في هذا الوقت طلبا للاستجمام، وحبا في تغيير نمط معيشتهم، ففي ليالي هذه الرحلات الخلوية تجري احتفالات غنائية متعددة منها ما يقوله الأهالي فيما بينهم، ومنها ما تقدمه الفرق النسائية بناء على اتفاقات تعقدها بعض الأسر. وكانت الأغاني التي تقدم في هذه السهرات متنوعة، فمنها ما هو قديم، ومنها ما هو جديد قالها شعراء معاصرون لتلك الفترة، وبعضه يكون وليد الساعة. كما كان يفعل الشاعر الشعبي الكبير فهد راشد بورسلي الذي غنت له الفنانة عودة المهنا عددا كبيرا مما كتبه لها من أغان باتت مشهورة إلى يومنا هذا. ولقد كان غزير الإنتاج في هذا المجال، وله مجموعة من الأغاني طبعت في القاهرة سنة 1952م، كان عنوانها: «السامريات والفنون» وكلها مما غنته تلك الفرق التي أشرنا إليها.

عودة المهنا. وقد قال عنها بعض الأبيات فغنتها، وكانت على لحن (الفن) ويقول فيها:

قالت الزينة وهي بالفن

تشهد لها كل فنانة

الطار في جفها ليحن

إيذكّر القلب خلانه

راحن ليال الطرب واقفن

يوم الطرب يسحب أردانه

شيلوا عسى ما يخيب الظن

بنروجع الفن بألحانه

لا يقضي العمر نوح اوون

بنخلي النفس طربانه

الطار والفن ليمن عن

يكمل ابأهله أو خلانه

حنا هله والجفوف ادمن

خلوه يرجس أبميدانه

ومما قاله هذا الشاعر في مناسبة من تلك المناسبات الربيعية، وغنته عودة المهنا أغنية لاتزال تتردد على الألسنة، وقد جرى غناؤها – أصلا – على لحن: السامري، وهي قوله:

أمس الاثنين الضحى

شفت لي غرو عجيب

تحسب أنها حققت

بي ونا ما اشوفها

وفيها إشارة إلى أنه قد أصيب بمحبته لها. واعتبر ما أصابه علة قد تمكنت به، لا يشفيها طبيب. ويصفها بأنها: علة الفنطاس لأنه شاهد تلك الفتاة هناك في تلك القرية الكويتية الجميلة التي كان يذهب إليها عشاق الربيع. هذا، ومما ينبغي أن يذكر هذه الأبيات التي قالها أحد المعجبين بعودة المهنا وكان قد حضر حفلة لها:

البارحة القلب في غاية ما تمنى

وسط بستان وابني سفيره

ما حلا الطار في جف المهنا

جف عوده إذا قامت تشيله

ولم تكن عودة المهنا مكتفية بالنشاط المألوف لفرقتها، وفق ما أشرنا إليه آنفا، فلقد كانت لها مشاركات ملحوظة في مجالات أخرى من مجالات الفن. إذ بدأت في سنة 1955م بالخروج عن نطاقها القديم فشاركت على المسرح عندما قدم الأستاذ محمد النشمي من إخراجه مسرحية: «على أمه نذر». كما شاركت بعد ذلك بفترة في مرحيتين من إخراج الفنان عبدالرحمن الضويحي، هما: مطر صيف، وسكانه مرته.

وظهرت في فيلم تسجيلي عن تقاليد وعادات الزواج في الكويت. وغنت – لأول مرة – في سنة 1960م مع فرقتها في أول كورال من نوعه من الفنان شادي الخليج في أغانيه:

– لي خليل حسين

– فرحة العودة

– حبيبي راح

فلم تكن في حياتها الفنية، وممارستها لما دأبت على القيام به فنيا مقتصرة على نوع واحد من أنواع العمل الفني. وكانت فرقة الفنانة عودة المهنا فرقة فنية نسائية كما ذكرنا، ولكنها في الوقت نفسه كانت تضم رجلا كان هو الوحيد الذي يشارك إحدى الفرق الخاصة بالنساء، وكان يحضر كل حفلات هذه الفرقة التي ارتبط بها إلى آخر رمق من حياته.

هذا الرجل الفنان هو المرحوم: عواد سالم فرج المشهور باسم: عواد سالم، الذي ولد في سنة 1900م وتوفي في سنة 1969م. كان – كما ذكرنا – مشاركا لفرقة عودة المهنا في اكثر أعمالها. وكانت له أعمال خاصة به كلها ذات صلة بالتراث الغنائي الكويتي فكنا نستمع إليه وهو يغني الألوان الكويتية البحرية والأغاني الأخرى كالخماري والقادري والسامري، وغير ذلك من الفنون. وله تسجيلات على اسطوانات منها أغنية دينية فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأغنية من الفن الخماري اشتهر بها وهي: يا حمود عزّوني.

وكان مطلعها:

يا حمود عزوني عقب فرقاه

اللي سبا حالي وخلاني

أقول عزوني اناما انساه

لو كان عظمي بالثرى فاني

كان رجلا عزيز النفس، سمح الطباع، وهب حياته كلها للفن. ولا يزال ذكره ساريا على ألسنة المعجبين بفنه.

ولكنها كانت تحرص على أن تطرق كل أبواب الفن وتشارك في كل نشاط يستدعي مشاركتها، حتى ولو كان جديدا على الأعمال التي تقوم بها منذ بدأت في هذا السبيل.

***

كنا – نحن الصغار – نستمع إلى ما يتردد من أغان وأهازيج تترد في القرى وفي المدينة، ونسعد بذلك. ولقد ارتضينا لفرط ما اتصل بيننا ذكر الفنانة عودة المهنا أن نعتبرها أما لنا، فلا ندعوها إلا بهذا اللفظ. ولقد كنا نحس بمدى الحنان الذي يتدفق منها على الصغار جميعا، ونلاحظ محبتها لنا ولأمثالنا أينما ذهبت، ولم تكن هذه التسمية كثيرة عليها. وكبرنا ونحن نتابع نشاطها في مجالين من مجالات حياتنا الكويتية، كان المجال الأول منها متصلا بالتراث الشعبي لوطننا، فهي تمثله أفضل تمثيل. وتقدمه بأفضل مما لا نسمعه من كثير من غيرها، وأما المجال الثاني فهو مجال الخير والإنسانية، وقد كانت تبذل من جهدها ومما تملك في هذا المجال بلا حساب. وقد اعتبرت نفسها مسؤولة عن كل محتاج سواء أكانت حاجته إلى المال أم كانت إلى أمر يريد الحصول عليه دون أن يتمكن منه. وقد عرفت بين الناس بهذين الأمرين، وذكرت بهما إلى اليوم رغم مرور زمن على وفاتها، رحمها الله تعالى. وفي تفصيل هذا الذي أشرنا إليه نعرض للمجال الأول وهو مجال الفن الذي عرفت به أولا، فلقد شهد لها بذلك فنان عربي بارز، كان مهتما بالأغاني الكويتية القديمة وموسيقاها، وهو الأستاذ أحمد علي، الذي كان يعمل ضمن فرقة إذاعة الكويت الموسيقية، ثم صار مسؤولا عن التراث الموسيقي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عندنا. وكان – ضمن عمله – مهتما بتوثيق الغناء الكويتي القديم. ومن أجل إتمام ما كان يقوم به أنه لقي الفنانة عودة المهنا، وتحدث إليها عن الفن الغنائي القديم بصفة عامة، وكان لا بد له من أن يفعل ذلك لأنها – بالفعل – أول من ينبغي عليه أن يسأله عن هذا الأمر في الوقت الذي كان الأستاذ أحمد يجري فيه بحثه.

تحدث الأستاذ عن لقائه بهذه الفنانة العريقة في أحد المجالس الخاصة، فأعرب عن اهتمامه بمتابعة عمله على تدوين الإيقاعات الموسيقية الكويتية القديمة بأخذها من مصادرها الحية. وذكر أن من بين مصادره هذه الفنانة الكويتية عودة المهنا التي أمدته – كما قال – بثمانية عشر إيقاعا على الطار (الدف)، لم يكن قد سمعها – من قبل – عن غيرها. ولذلك فقد كان يقول عنها: إنها أستاذتي، وذلك لأنها قد أتاحت له فرصة معرفة هذه الإيقاعات وتسجيلها، ولولاها لما تمكن من ذلك.

***

أما فيما يتعلق بالأمر الآخر المشار إليها فيما مر بنا من هذا الحديث فإني أسمح لنفسي بأن أكون راويا له، لأنني أرى أن معرفتي بهذه المرأة الكريمة تسمح لي بذلك. وهذا هو ما أردت أن أذكره عنها:

اسمها: جوهرة بنت معيوف المهنا، ولدت في سنة 1899م، وتوفيت في سنة 1984م، وقد أطلق عليها فيما بعد اسم جدتها وهي عودة الذي تمسكت به إلى آخر عمرها. ولم يعد أحد يناديها باسمها الذي سميت به ساعة ولادتها وهو: جوهرة. ذكرت أنني كنت أتتبع نشاط الفنانة عودة المهنا منذ كنت صغيرا، وأنني أنا وأقراني كنا نتوقع مرورها مع فرقتها في المناسبات التي تستدعي مشاركة هذه الفرقة بها عن طريق النشاط الفني الذي يملأ أجواء كل (فريج) تمر به بهجة وسعادة. ولا يغيب عن بالي سماع هذه الفرقة وهي تردد في صباح يوم أحد الأعياد وهي عائدة من سهرة أحيتها. وكانت تهتف قائلة:

حس السهارى يوم مروا عليه

صبحيــــــــة العيــــــد

نوخ ذلوله وقام يبكي عليه

صبحيــــــــة العيـــــــــد

وهذه أغنية لحنها من فن يدعى: العاشوري. كان يردد في مثل هذا المناسبات، وقد استمعت إليه مؤخرا بصوت الفنان الكبير عواد سالم الذي كان يصاحب فرقة الفنانة عودة المهنا في كثر من أنشطتها الفنية.

ومرت الأيام، فعرفت هذه الفنانة معرفة مباشرة، وصرت أدرك كثيرا من الأمور التي تميزت بها من الناحيتين الشخصية والفنية، وألاحظ محبة الناس لها، فاستخلص من ذلك أن هذه المحبة لم تكن بسبب إجادتها لعملها الفني وإتقانها له فقط، بل لما جبلت عليه من طباع كريمة أشرت إليها فيما تقدم من هذا الحديث، وذكرت طرفا منها. وكانت ترعى باهتمام زائد أفراد فرقتها التي كان يطلق عليها اسم: العدة، فكان الناس يقولون عنها: هذا حفل تحييه عدة عودة المهنا، لأن الفرقة كانت تعد كل ما تحتاج إليه من أدوات موسيقية كان أهمها الطبل والطار (الدف) وكان الطبل من الحجم الكبير تخصصت بالضرب عليه إحدى عضوات المشاركات، وهي الفنانة سلامة أم سلطان التي كانت تنفرد بمقدرتها على ذلك، فهي تجيد الإيقاع وفق ما يأتي به الغناء من ألحان. ولم تكن هناك آلات أخرى، غير أنني شاهدت وسمعت الفنانة عودة المهنا وهي تعزف على آلة العود، وكانت مستمتعة بذلك العزف مجيدة له. ولم أرها في غير هذه المرة على هذا الحال في مناسبة أخرى، على الرغم من أنني شاهدتها – بعد ذلك – كثيرا. أما سر معرفتي الشخصية بها، فذلك يرجع إلى الأيام التي كنت فيها مسؤولا عن إدارة تلفزيون الكويت اعتبارا من سنة 1962م، وكان هذا الجهاز يستضيفها هي وفرقتها مرارا، ويسجل لها كثيرا من الألحان الشعبية التي عرفت بها. والتي تميزت هذه الفنانة بتقديمها لجمهور هذا الجهاز من متتبعي الفنون التي تقدمها من خلال ما يقدمه من برامج. وكان التلفزيون – آنذاك – مهتما بعرض مختلف أنواع فنون التراث الشعبي الكويتي، وكما كان يستقطب – إلى جانب فرقة عودة المهنا – كبار الفنانين الكويتيين من أمثال عبداللطيف الكويتي، وعبدالله فضالة، ومحمود الكويتي، وسعود الراشد وعوض دوخي وحمد خليفة – وغيرهم، وكان هذا من أسباب حفظ الغناء الكويتي القديم.

أما عودة المهنا فقد استمرت معرفتي بها زمنا طويلا بعد ذلك، عندما انتقلت إلى العمل في وزارة التربية سنة 1965م، فلم تقطع صلتها بي، فكانت تتردد علي بين وقت وآخر، وأشهد أنها في ترددها هذا لم تكن تطلب لنفسها شيئا مهما كان. ولكنها كانت تأتي إلي آملة في مساعدة بعض المحتاجين الذين أغلقت في وجوههم سبل العمل، فكانت تسعى لهم – عندي وعند غيري – في سبيل تيسير أمورهم بقضاء ما هم في حاجة إليه. وكان همها الشاغل هو إيصال معاناتهم إلى حيث يجدون من يستطيع حل مشكلاتهم. ولقد كانت تقوم بذلك في كثير من المؤسسات، ولدى عدد غيري من المسؤولين رغبة منها في فعل الخير، وإدراك الأجر من الله عز وجل. ورفع أعباء الحياة عن هؤلاء الذين كانوا يعرفون فيها هذا المسلك الكريم فيذهبون إليها راجين عونها بعد أن عرفت بهذا العمل الكريم.

ولقد كانت إلى جانب ذلك تفتح بيتها لكثير من الحالات التي تحتاج إلى الرعاية من فاقدي الأهل، فيجد هؤلاء في بيتها ما فقدوه، وما يفتح أمامهم سبل الحياة الكريمة من جديد، ثم إنها لا تترك هؤلاء الصغار إلى سبيلهم في الحياة إلا وقد كبروا وتعلموا وحصلوا على الأعمال التي تغنيهم عن الحاجة. وتكفل لهم الاستقرار والحياة الكريمة. وكم تكون فرحتها عندما تجد أبناءها هؤلاء الذين لم تلدهم، وقد صاروا ينعمون بالحياة مطمئنين إلى المستقبل.

***

هذه هي عودة المهنا، عاشت حياتها وهي تسعد الناس جميعا، صغيرهم وكبيرهم، أحيت حفلات الزواج، وشاركت في الأفراح الخاصة والعامة، وأضفت على الرحلات الخلوية التي يقوم بها الأهالي في الربيع روحا من الأنس والسعادة. ولكنها – مع الأسف الشديد – لم تنل من وطنها أي تكريم. ولم نسمع لها ذكرا منذ أن توفيت عدا بعض ما نسمعه من تسجيلاتها التي تذاع علينا في فترات متباعدة، ومن المعروف أن الكويت لم تتأخر – أبدا – عن تكريم أبنائها المبدعين المنتجين، ولكنها تأخرت كثيرا عن تكريم الفرق الشعبية من أمثال فرقة عودة المهنا، ولست أدري سبب ذلك. وبقي أن نقول إن هذه الأعجوبة في عالم اللحن والغناء والإيقاع، التي أمتعت الناس طوال السنين بفنها البديع، لم يتركها الناس إلى خالقها عندما توفيت، فقد جن ذوو النفوس التي ركبها الحسد عندما رأوا إحدى بنايات شارع تونس قد سميت باسمها، وأخذوا يتساءلون عن مواردها المالية في حين أن هذا الأمر لا يخصهم، وليس بمستغرب أن يكون لديها مال لأنها كانت تعمل طوال حياتها. وهم – مع ذلك – لا يدرون أنها لم تترك وراءها مالا لأنها كانت تنفق ما تملكه على المحتاجين الذين يلجؤون إليها، لما عرفوا عنها من فعل المعروف.

ولقد جاء الرد على هؤلاء بعد فترة قصيرة من الزمن، فوجدنا الشركة التي كانت تمتلك هذه البناية قد باعتها إلى مالك جديد، استكثر على عودة المهنا أن تسمى بنايته باسمها فنزع الاسم، لكي يريح هؤلاء الذين لم يرضهم تكريمها، وبقيت الفنانة والأم عودة بلا تكريم من أحد. رحمها الله تعالى.

***

هذا، ولي كلمة أخيرة ذات دلالة على صلة تربطني بالفنانة عودة المهنا غير ما ذكرت، وهي أنها كانت أخت المرحوم محمد البراك من الرضاعة، وبذلك فهي عمة زوجتي، وهي بالتبعية عمة أولادي، وهذا أمر يسعدني، ويسعدهم.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.