يختلف التغيير في الحالة السورية عن التغييرات العسكرية، التي ما زالت تحدث في بعض دول العالم النامي. ومع ذلك، هناك تشابه بين الحركتين؛ التنظيمية والعسكرية. في كلتا الحركتين، لا بد من «فترة انتقالية» تهيئ خلالها البلاد المعنية للتغييرات الجديدة. وهذا ما يحصل بسوريا، حيث حددت مدة الفترة الانتقالية بخمس سنوات؛ أي حتى عام 2030م. وخلال هذه الفترة، يؤمّل حل مشاكل خطيرة، وخاصة مسألتي الانقسام الوطني، وصهر الميليشيات المختلفة في الجيش السوري الجديد. فان تعذر ذلك ذاتياً، أو تعثر، يمكن الاستعانة بجامعة الدول العربية، أو بدولة، أو دول شقيقة، ترضاها، للعمل كوسيط محايد. ثم يعقد، كما سبق أن قلنا، مؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة. وبعد ذلك يتم:
1. تشكل لجنة برلمانية لصياغة دستور (نظام) جديد للبلاد.
2. ويطرح الدستور المقترح للاستفتاء الشعبي.
3. وتنزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتعطى للجيش السوري النظامي.
4. وتحويل الصالح من التنظيمات المقاومة الى أحزاب سياسية، تؤمن بوحدة الدولة السورية، وبالتداول السلمي للسلطة.
5. إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية نزيهة، وتحت رقابة محايدة ونزيهة.
6. انصراف الثوار غير المنتخبين، مشكورين، إلى بيوتهم.
* * **
إن على السوريين، قيادةً وشعباً، عمل كل الوارد في النقاط الست أعلاه. وقد عملت القيادة السورية الحالية دستوراً مؤقتاً تأمل طرحه في استفتاء شعبي عام، بعد أن ينقّح، ويصاغ منه دستور نهائي عام، يقبله كل السوريين. ثم تعمل حكومة الشرع على نزع أسلحة الميليشيات المختلفة، وصهرها في الجيش السوري الجديد.
ثم، وهذا هو الأهم، صهر كل مكونات الشعب السوري في العمل السياسي الموحد،… وهذا يعني إشراك هذه المكونات في العمل السياسي، وصناعة القرار، وتحويل الصالح من هذه التنظيمات الى أحزاب سياسية، تؤمن بالتداول السلمي للسلطة. ثم إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية، نزيهة.
****
وبالطبع، فإن عمل كل ذلك أمر ليس سهلاً، وذلك لأن الوضع السياسي العام الحالي في سوريا، ما زال دقيقاً. ونوجز فيما يلي الوضع السياسي الداخلي والخارجي في سوريا، بعد أشهر من نجاح الهبّة الشعبية، وطرد بشار الأسد. فما زالت الثورة السورية تواجه تحديات، داخلية، وخارجية خطيرة. فعلى المستوى الداخلي، تواجه سوريا- الشرع، صعوبة بالغة في صهر أغلب المكونات السورية، في بوتقة واحدة، عبر تحويل التنظيمات السياسية، المذهبية، وغير المذهبية، إلى أحزاب سياسية، تقبل بالتداول السلمي للسلطة. وتحويل الميليشيات التابعة لهذه التنظيمات، إلى الجيش النظامي السوري.
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، خاصة إذ أخذنا في الاعتبار، تناحر هذه التنظيمات فيما بينها، قبل قيام حركة التغيير. هناك عدة تنظيمات (مكونات) في سوريا، لعل أهمها هذه المكونات الثلاثة، التي ما زالت تقف موقف المعارض لحكومة الشرع، وهي:
– المكون السني: ويمتد من دمشق، مروراً بحمص وحماة، وحتى حلب وأدلب. وتحسب حكومة الشرع جزءاً من هذا المكون. لذلك، نجد أن المعارضة، داخل هذا المكون، محدودة.
– الرئاسة الروحية لمكون الدروز: ويتركز في السويداء، ويرفض الخضوع لسلطة الشرع، ويريد حكماً ذاتياً، يقلل من سلطة الحكومة المركزية عليه. وهو مكون مدعوم من إسرائيل…؟!
– المكون الكردي: وذراعه العسكري «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ويطالب بدولة فيدرالية، يكون فيها متمتعاً بالحكم الذاتي ومسيطراً على مصادر النفط والغاز، بحكم موقعه، ووجود هذه الثروات في أراضيه. وهو مكون مدعوم من الولايات المتحددة، وكذلك إسرائيل.
إن هذه المكونات يختلف توجه كل منها عن الآخر. ومن هنا، يصعب استيعابها في الدولة السورية الواحدة، إلا بعمل إجراءات سياسية مطولة تحقق ذلك.
****
أما على المستوى الخارجي، فهناك خمس دول منخرطة في الشأن السوري، هي: أمريكا، روسيا، تركيا، إيران، إسرائيل. ولها في سوريا ما تسميه «مصالح»، وقواعد عسكرية، تتدخل بحجتها في الشأن السوري الداخلي.
فالولايات المتحدة تدعم «قسد»، وتحاول أن تتماهى سياستها في سوريا، مع السياسة الصهيونية تجاه سوريا. وهي تتمسك بدعم الأكراد، طمعاً فيما يسيطرون عليه من نفط وغاز. أما روسيا، فقد تدفعها رغبتها في الاحتفاظ بالقاعدة الساحلية في طرطوس، إلى دعم إقامة دولة «نصيرية» خاضعة لها.
****
وبالنسبة لتركيا: فإنها لن تقبل، على أي حال، إقامة دولة كردية، بقيادة «قسد»، أو غيرها. وهنا تصطدم المصالح التركية بإقامة دولة كردية، أو مكون كردي نشط في سوريا، مع رغبة إسرائيل المحمومة في تمزيق سوريا. فإسرائيل تدعم كل ما يؤدي إلى تقسيم سوريا، وإضعافها. وهنا يكمن مصدر صراع خطير، بين تركيا وإسرائيل، التي تتوق لتقسم سوريا، عبر دعم قيام كيانات مختلفة، من مكوناتها.
أما إيران، فإنها تحاول استعادة نفوذها بسوريا، بعد أن فقدته، برحيل بشار الأسد. لذلك، نجد أن قيام دولة سورية موحدة، يتطلب توافقاً بين مكوناتها الداخلية. فليس من مصلحة أي مكون، الانفصال، والخضوع لهذا الدولة الأجنبية، أو تلك.
وخارجياً، يتعين على حكومة دمشق أن تتعامل مع هذه الدول الخمس، بما يضمن وحدة سوريا، واستقرارها واستقلالها السياسي. وهذا أمر بالغ الصعوبة، والتحقيق.
****
إن الشعب السوري، وقادته الجدد، على درجة عالية من النزاهة، والوطنية. الأمر الذي يبعث على شيء من التفاؤل بأن سوريا ستجتاز المرحة الانتقالية، بإتقان، وسلام. في حالة حدوث اضطراب سياسي حاد، ناتج (مثلاً) عن: قيام مجموعة محلية معينة بإزاحة حكومة بلد ما معين، والاستيلاء على السلطة فيه، فغالباً ما نكون بصدد حرب أهلية. أو تبقى الأزمة في إطار الخلاف الأهلي الساخن. ولكن الوضع السياسي العام في سوريا ما زال مستقراً.
لقد كان الانقلاب السوري، انقلاب 8 أكتوبر 2024م، ضد حكومة «غير شرعية» أصلاً، وفاسدة وقمعية، وعميلة، هي حكومة بشار الأسد. لذا، فإن منطق الحق والعدالة، يقتضي أن: يرحب المجتمع الدولي بإزاحة تلك الحكومة… وفي ذات الوقت يضغط -كعادته- على الانقلابيين كي يمهدوا لقيام حكومة شرعية، في أقرب فرصة ممكنة، سواءً بمساعدة خارجية، أو بدون هذه المساعدة. وأن يساعدوا الانقلابيين على العمل على دعم استقرار، وأمن، ووحدة دولتهم. والحكومة الشرعية السورية قادمة، وقريباً.
أخبار ذات صلة