في كل عام، يستعيد السعوديون ذكرى يوم التأسيس ليس فقط كحدث تاريخي، بل كتجربة وطنية متجددة تعكس امتداد المجد منذ انطلاقة الدولة السعودية الأولى. منذ الدرعية، ذلك المكان الذي شهد البذرة الأولى لفكرة الدولة، وحتى الأفق الذي ترسمه المملكة اليوم بمشاريعها الطموحة ورؤيتها المستقبلية، يظل يوم التأسيس علامة فارقة في مسيرة هذا الوطن.

لم يكن تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/‏1727 مجرد قرار سياسي، بل كان تحولاً جذرياً في تاريخ الجزيرة العربية، التي كانت آنذاك ساحة للتشتت والصراعات المتفرقة. أدرك الإمام محمد بن سعود أن الوحدة هي السبيل الوحيد للاستقرار، فبدأ مرحلة من البناء السياسي والاجتماعي، لم تُؤسَّس على القوة وحدها، بل على فكر قيادي متقدم استند إلى مبادئ الاستقرار والتنمية.

هذه المسيرة لم تكن سهلة، بل كانت محفوفة بالتحديات التي واجهت الدولة في مراحلها المختلفة، لكنها ظلت متماسكة بروح قيادتها وشعبها. وعندما أعاد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- توحيد المملكة في العصر الحديث، لم يكن يعيد فقط بناء دولة، بل كان يحيي إرثاً بدأ قبل قرون في الدرعية، ويعيد ربط الماضي بالحاضر من أجل مستقبل أكثر إشراقاً.

أخبار ذات صلة

 

اليوم، بعد أكثر من 300 عام على التأسيس، تواصل المملكة صعودها نحو الأفق الذي لطالما حلم به قادتها الأوائل. وإذا كان لكل عصر رجاله، فإن هذا الزمن يتجلى في شخصية الأمير محمد بن سلمان، الذي لا ينظر إلى الدولة باعتبارها كياناً تقليدياً محكوماً بالحدود الزمنية والجغرافية، بل يراها مشروعاً مستمراً في التطور، يتحرر من قيود الماضي لكنه يستلهم منه قوته. في نهجه القيادي، لا يقف عند رمزية الأحداث التاريخية، بل يعيد استثمارها في الحاضر، يجعل منها وقوداً لانطلاقة جديدة، فيضع يوم التأسيس ليس فقط كذكرى، بل كنقطة انطلاق نحو أفق أوسع.

هذا التجديد في الرؤية، الذي يتجاوز الاحتفاء بالماضي إلى إعادة استلهامه، هو ما يجعل الاحتفال بيوم التأسيس اليوم مختلفاً. ليس مجرد يوم عطلة رسمية، ولا مجرد شعارات تُرفع، بل مناسبة وطنية تستحضر روح الدرعية، وتجعلها حيّة في مشاريع الواقع، في بناء المدن المستقبلية، في إعادة صياغة الاقتصاد، في فتح آفاق جديدة لم تكن تخطر في الأذهان قبل سنوات.

من الدرعية إلى الأفق، هي ليست مجرد مسافة جغرافية، بل رحلة فكرية وسياسية تعكس روح هذه البلاد، حيث يتحول التاريخ إلى منصة للانطلاق، وحيث يصبح الماضي حاضراً لا كمجرد ذكرى، بل كدليل على أن المجد السعودي لم يكن يوماً لحظة عابرة، بل هو حالة دائمة من النهوض والتطور، تواصل المملكة كتابتها اليوم بلغة أكثر جرأة، وبحلم لا حدود له.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version