لم يكن الصحفي الكبير مصطفى إدريس مجرد اسم في ترويسة صحيفة، ولا توقيعاً في ذيل مقال، بل كان هو العنوان ذاته.. عنواناً للصدق، والنباهة، والرقي، والعطاء الخالص. رحل نائب رئيس تحرير «عكاظ» السابق، وبقي أثره ساطعاً في ذاكرة الحروف، وقلوب من عرفوه وقرأوه، وارتشفوا من مدرسته الصحفية نُبل المهنة وبهاء الكلمة.

ثلاثة عقود وأكثر، أمضاها في بلاط صاحبة الجلالة، يبني ولا يهدم، يجتهد ولا يتوانى، يبدع ولا يستنسخ. أسس خلالها مدرسة خاصة، لا تشبه غيرها، تجرأت على المألوف، وتمردت على الكلاسيكية، وتقدّمت زمنها بسنوات. كانت الصحافة معه أكثر حياة، والعناوين أكثر دهشة، والجمل أكثر أناقة.

كان صانعاً للعناوين لا يشق له غبار. يعرف كيف يُوقِف القارئ عند سطر، ويُغريه بالدخول إلى العمق، ويقوده بجمال العبارة إلى جوهر الحقيقة. لم تكن عناوينه مجرد جُمل براقة، بل كانت مفاتيح لفهم الواقع، ومرايا تُظهر ما خفي، وتلمس الوجدان.

مصطفى إدريس لم يُعرّفنا بنفسه كثيراً، لكنه عرّف المهنة إلى جيل كامل. كان جندياً معلوماً في ساحة العمل، يعمل في صمت، ويتكلم عبر منجزه، يكتب بمداد من صدق، ويمنح قلمه للضعفاء، وصوته للمسكين، وماله للخير، دون أن يُبقي لنفسه شيئاً.

عُرف بنبله، وحرصه على بر والديه، ويده البيضاء التي لم تكن تعرف التردد إذا ما نادى المحتاج أو استعان صاحب حاجة. وحين ترجّل، ترجل عن قناعة بأن العطاء الحقيقي لا يُقاس بما نأخذ، بل بما نمنح بصمت.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.