في 31 يناير من هذا العام، ودَّع المشهد الثقافي السعودي قامة من قاماته الفنية، أحد أوائل من نقشوا بصماتهم في الدراما السعودية، الفنان الكبير محمد الطويان، الذي أغمض عينيه عن الدنيا عن عمر ناهز الثمانين، لكنه أبى إلا أن يظل حياً في المشهد الذي لطالما عشق تفاصيله.
بدأ الطويان عمله الفني في منتصف الستينيات الميلادية، إذ لعب دور «حظيّظ» في مسلسل «السعد وعد»، وفي عام 1985 شارك في مسلسل «عودة عصويد»، كما شارك في مواسم عديدة في مسلسل «طاش ما طاش»، و«غشمشم 2009»، و«سلفي»، و«لعبة الكبار»، و«مكان في القلب»، و«كلنا عيال قرية»، و«عقاب»، و«أبو الملايين»، و«عندما يكتمل القمر» وغيرها العديد من المسلسلات والمسرحيات.
رحل الطويان، كما يرحل العظماء، بهدوء يشبه عُمق أدواره، وعمق رحلته الفنية التي لم تكن مجرد عبور عابر على شاشة، بل كانت تجربة متكاملة، ودرساً ممتداً في الصدق الفني.
وُلد محمد الطويان عام 1945 في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، في بيت يعرف معنى الجمال والتجارة، فوالده كان تاجراً ناجحاً، وأتاح له فرصة أن يطوف خارج حدود الوطن ليكتسب علماً وفكراً وتجربة مختلفة. درس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك نهل من منابع الفنون والمعرفة، وعاد ليكون من أوائل من حملوا راية الدراما السعودية في بداياتها، حين كانت الكاميرا لا تزال تخطو خطواتها الأولى في البلاد.
لم يكن الطويان ممثلاً فقط، بل كان مؤلفاً وفناناً تشكيلياً، ومثقفاً يرى في الفن رسالة عميقة أكثر من كونه مجرد أداء. في كل دورٍ أدّاه، كان يحمل في صوته، في ملامحه، وفي حضوره، تجربة عمرٍ من التأمل والتفكر، يسكبها على الشاشة بحرفية نادرة.
منذ بداياته في الأعمال التلفزيونية، كان الطويان حاضراً بروح المدرسة التمثيلية العتيقة، حيث يتماهى الممثل مع الشخصية حتى يكاد يصبح هو نفسه. عبر مسيرته، قدّم أعمالاً حفرت مكانها في ذاكرة المشاهد السعودي والخليجي، فكان جزءاً من الموجة الأولى للدراما المحلية، التي رسّخت وجودها، وساهمت في تشكيل هوية المشهد التلفزيوني.
تنوعت أدواره بين الأب، والمثقف، والمسؤول، والصديق، لكنه في كل مرة كان يعيد تعريف الشخصية بأسلوبه الخاص، لا يكرر نفسه، بل يمنح كل شخصية روحاً مستقلة. كان ممثلاً لا يؤدي فحسب، بل يعيش الدور حتى يكاد يقنعك أنه حقيقة.
كرمت وزارة الثقافة الطويان في 2024 بجائزة المسرح والفنون الأدائية، في النسخة الرابعة من مبادرة «الجوائز الثقافية الوطنية»، كما كان الطويان بين الأسماء التي تم تكريمها في «Joy Awards 2025»، من رواد الفن الخليجي بجوائز «صناع الترفيه» الفخرية، ولم يحضر الحفل بسبب مرضه.
رحل الطويان، لكن صورته ستبقى حيّة في ذهن المشاهد، وستظل أعماله شاهدة على رجل سبق زمنه، ورأى في الفن أكثر من مجرد مهنة، بل حياة أخرى كان يسكنها ويمنحها روحه، محمد الطويان، ليس مجرد اسمٍ في تترات قديمة، بل هو ذاكرة بصرية وصوتية، ستظل تتكرر في ليالي المشاهدين.
أخبار ذات صلة