من اللافت لنظر الراصد للمشهد الثقافي في عالمنا العربي، تباين أنماط المثقفين؛ بين من يعيش لنفسه، ومن يهب ذاته ومجهوداته لقضايا عدة، وبين من يحاول الجمع بين قضيّة يدافع عنها ويتمسك بها، ويمنح نفسه حقها من المتعة والراحة واللذة، ولتحرير قضيّة الأسبوع من خلال نخبة من مشهدنا الثقافي والأدبي، نعرض ما توصّل إليه التحقيق الأسبوعي من وجهات نظر حول قضيّة المثقف على مستوى العام والخاص..

الكاتبة سهام حسين القحطاني ترى أن السؤال هو سؤال عن مفهوم «أصالة المثقف»، إذ لا بد لكل مثقف أن تكون له قضية، تتمثل في مبدأ، ومنهج ورؤية ثقافية، وتلكم هي التي تمنحه الأصالة سواء على مستوى كونه مثقفاً قادراً على خلق اتجاه وأسلوب ثقافيين، أو على مستوى التاريخ الثقافي لمجتمعه. وعدّت جذرّية القضية؛ تمثيلاتها المختلفة التي لا تعني الأحادية، بل تؤطر هويته الثقافية، كون الهوية لا تُعيق التنوع، بل تُسهم في استثمار توسيع تلك القضية من خلال التطبيقات والأساليب، وتراه مؤشراً على أصالة المثقف، الذي يطوّع قضيته الخاصة لتأسيس منهج كامل الأركان، مستعيدة تجربتي العروي والغذامي، لافتةً إلى أن المنهج الحاصل من خصوصية الهوية الثقافية للمثقف مثل بصمة الأصبع الذي تميزه عن غيره وتُطيل أثره الثقافي.

ويحمّل الشاعر خالد قمّاش، الصراع الشكلي بين المثقف والمجتمع، إشكالية تحويل المثقف إلى قضية في الحياة، خصوصاً إذا استطاع المثقف أن يكون منتجاً للأفكار الخلاقة، والمثيرة للاختلاف لا الخلاف، وذهب إلى أن القاسم المشترك الأكبر بين قضايا المثقفين هو الانحياز للهمِّ الإنساني والانتصار للحق ومحاربة الفساد والظلم، مضيفاً أنّ مشكلة بعض المثقفين تتمثل في اختلاق قضايا هامشية لا تغني ولا تسمن من جوع، طمعاً في لفت النظر إليه عقب أن انطفأت قناديل حضوره في المشهد الثقافي!

وقال: في قراءة سريعة إذا ما استثنينا المثقفين البرغماتيين يظل الوطن والإنسان هما المحوران المشتركان لأغلب القضايا الثقافية لدى بعض المثقفين العرب.

فيما عدّت خبيرة المسرح الدكتورة حنان عنقاوي تبنّي قضيّة ما جزءاً من مشروع تنمية المثقف المستدامة، وترى أنّ تطور الإنسان في مكان ما من الكون هو تطور لكل العالم، فالفرد جزء من عالمه، وتؤكد أن القضية للمثقف ولغيره تشعره بوجوده، وتحقق انتماءه لمنظومته الخاصة والعامة، وتجذّر واجباته تجاه نفسه، أو مجتمعه، أو البيئة. وترى أن المثقفين درجات؛ إذ منهم من يمتلك المعلومة والمعرفة، ومنهم صاحب رؤية، ومنهم صاحب الوعي الذي يدرك جيداً أنه لا بد أن تكون له قضية مرتبطة بكيانه ومسؤوليته، وغاياته، وقسمت القضايا إلى مستويات؛ منها ما يُسهم في النمو، ومنها ما يطوّر القدرات، ومنها ما يحسّن أداء الذات، بالتعليم، وتراكم الخبرات، لتكون ثمرة القضية عائدة على المجتمع الذي يعيش فيه ويعرف احتياجاته، مؤكدةً مقولة: أنا لديّ قضية إذاً أنا موجود.

فيما ذهب الشاعر عبدالعزيز أبو لسه، إلى أن وجود المثقف الحقيقي العميق «قضية» بحد ذاتها، بل هو بنية مستقلة تحتاج إلى تفكيك، واستبطان لسبر أغواره، وقال أبو لسه: في البدء يجب أن نميز المثقف من المتثاقف الذي يعتاش على الثقافة، ثم لو صادقنا أن المثقف يجب أن يتجرد مما يحيط به من حيوات ويفرّغ نفسه لحالته الإبداعية لغدا منعزلاً عن مجتمعه وعمّا حوله، ويرى أن المثقف وبما أنه حالة متماهية مع ذاته ومع مجتمعه فإنه حتماً بوعي أو دونه لن ينفك عن شؤونه التي هي بالضرورة جزء من الشأن العام إلا إذا تحدثنا عن فانتازيا وما وراء الطبيعة وما يتجاوز الفهم البشري..

عبدالله الغذامي:مَنْ ليس له قضيّة عبثيّ وزائدة دوديّة

يؤكد الناقد الثقافي الدكتور عبدالله الغذامي أن المسألة لا ترد عنده تحت عنوان المفترض، ولا عنوان الواجب، أو المستحب، بل هي أكبر من كل هذه الافتراضات، فالكائن الذي ليس له قضيةٌ لن يكون كائناً سويّاً، وإنما هو كائنٌ عبثي وزائدة دودية -حسب مصطلحات الطب-، لافتاً إلى أن أي إنسان يحتاج لتحفيز عبر صيغ ما يجب، وما يستحب، ولن يكون حقاً مثقفاً، ولن يكون موظفاً يستحق مرتبه، ولن يكون مزارعاً تجود عليه أرضه بالثمر إلا صاحب قضيّة. وقال صاحب النقد الثقافي: أنا وأنت أبناء جيلٍ كانوا فلاحين أو تجاراً، وهاتان مهنتان بشريتان من أعمق مهن البشرية، والفلاح والتاجر لا ينجحان إلا لأنهما أصحاب قضية، أدناها أن يعيش حياة شريفة هو وأهله؛ ليتفادى الوقوع في مساس الحوج. وأضاف: ويحٌ لأي مثقف يزعم لنفسه صفة التثقف إن احتاج التنبيه على ما يجب وما يستحب. وزاد: نعم هناك مستهترون يعيشون اللذة، ولا يعنيهم غير لذتهم، لكن هؤلاء ليسوا مقياساً لأي معنى، ويظلون موضع بحث وتفكر بما أنهم غير أسوياء.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version