في تقريرها السنوي الصادر يوم الجمعة الماضي، أدرجت منظمة مراسلون بلا حدود دولة موريتانيا في المرتبة الـ50 عالميا، كما جاءت في المركز الخامس على المستوى الأفريقي.

وبهذا التصنيف الجديد، تكون نواكشوط سجّلت تراجعا بـ17 نقطة عن العام 2023 حيث كانت تحتل المرتبة 23 على المستوى العالمي.

ورغم هذا التراجع في قائمة الترتيب، فقد تصدّرت موريتانيا حرّية الصحافة على مستوى العالم العربي في التقرير الجديد الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، الأمر الذي اعتبرته وزارة الثقافة الموريتانية “شهادة بارزة لتثمين الجهود التي تبذلها الحكومة لتمْهين الحقل الإعلامي وتمكينه من ممارسة عمله في جوّ تطبعه الحرية والاحترافية”.

ولم تعلّق السلطات في نواكشوط على هذا التراجع اللافت، رغم أن رئيس الجمهورية هنّأ أهل القطاع بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.

وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إنه “منذ إلغاء تجريم المخالفات الصحفية عام 2011، أصبح بإمكان الصحفيين العمل في بيئة أقل قمعا، لكنهم يعيشون هشاشة كبيرة”.

ضبابية التشريعات

نتيجة لعقود من نضال الصحفيين ضد القمع ومصادرة الآراء، والتضييق في الوصول إلى المعلومة، أصدرت السلطات الموريتانية القانون رقم 017/2006 الذي نظّم الحقل الإعلامي، ونصّ على الحق في حرية التعبير، كما مكّن الصحفي من حماية مصادره وأقرّ أن الطباعة والنشر مهنتان حرّتان.

موريتانيا الأولى عربيا على مؤشر حرية الصحافة (الجزيرة)

لكن هذا القانون الذي يعتبره البعض مكسبا كبيرا للصحفيين، ترك مجالات أخرى من دون تنظيم، مثل النّصوص والقضايا المتعلّقة بتحرير الفضاء السمعي البصري.

وإكمالا لتلك النواقص، جاء القانون رقم 045/2010 منهيا احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزيوني، فتمّ ترخيص عدة فضائيات مثل قنوات: الساحل، شنقيط، المرابطون، دافا.

وكذلك تم الترخيص لعدة محطّات إذاعية مستقلّة مثل: إذاعة صحراء ميديا، وموريتانيد، ونواكشوط الحرة، وغير ذلك من المؤسسات.

إنهاء احتكار الدولة للمجال السمعي البصري فسح المجال أمام موريتانيا لتتصدر لائحة الدول العربية في مؤشر مراسلون بلا حدود في ذلك الوقت.

لكن فرح الصحفيين والمطالبين بالحرية بهذه التشريعات لم يدم طويلا حيث تم إصدار القانون 007/2016 المتعلق بالجريمة السيبرانية الذي سبّب ضبابية في التشريعات الوطنية، إذ نصّ على عقوبات موجودة في قوانين سابقة، مثل جرائم السبّ والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها جرائم سيبرانية.

وتعتبر الجرائم السيبرانية هي التي يتم ارتكابها بواسطة أنظمة معلومات، ولا تدخل فيها الجرائم التي ارتكبت في وسائل التواصل الاجتماعي مما جعل البعض يتساءل: كيف يتم إنشاء قوانين للسب والشتم وهي موجودة؟ ما الفرق بين من سبّ شخصا على مواقع التواصل الاجتماعي ومن سبه في الواقع؟ كيف تختلف الجريمة؟

وتنص المادة 24 من قانون الجريمة السيبرانية على أن أي نشر لصور أو تسجيلات صوتية من شخص دون إذنه يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، وبغرامة مالية تبدأ من 100 ألف أوقية إلى 1 مليون أوقية.

وقد تسبّب هذا الغموض في إثارة مخاوف العاملين في المجال، إذ يمكن أن تعرّض هذه المادة الصحفي للمساءلة إذا قام بنشر صوتيات تدين بعض المسؤولين العموميين مما يجعله غير قادر على القيام بواجبه المهني في إنارة الرأي العام.

قانون الرموز

وعام 2021 أصدرت الحكومة في نواكشوط قانونا عُرف في الأوساط الإعلامية بـ”قانون الرموز” الذي ناقش قضايا الإساءة للدين الإسلامي، واعتبر رئيس الجمهورية والمسؤولين الكبار بمثابة “رموز وطنية” يعتبر المساس بها يضرّ بهيبة الدولة.

وبسبب القانون الجديد، دخل بعض السياسيين السجن وأقيلوا من مناصبهم، لأنهم انتقدوا رئيس الجمهورية أو أساؤوا إليه.

وأثار القانون ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية، والحقوقية، وطالبت المعارضة وبعض الأحزاب السياسية المحسوبة عليها بإلغائه.

ويرى الصحفي سيد أحمد محمد أن حرية الصحافة والتعددية السياسية في موريتانيا آلية سحرية اخترعها الرئيس الأسبق ولد الطائع مطلع التسعينيات، تمكّن من نزع فتيل الاحتقان، وفي الوقت نفسه لا تؤدي لنتيجة ذات بال.

موريتانيا الأولى عربيا على مؤشر حرية الصحافة

وأضاف ولد محمد أن العمل الصحفي في موريتانيا لا يخلق التغيير ولا يسهم في محاربة الفساد، ذلك أن الصحافة في البلد عالم من الفوضى، ولا يمكنها الوصول للمعلومات المهمة وتعاني من عوز مادي وضعف في التكوين، وتعمل الأنظمة المتعاقبة على جعلها تتناسل وتتكاثر في جو من الفوضى وعدم الثقة.

بين الأدلجة والانتفاع

ويرى سيد أحمد محمد أن الإعلام في موريتانيا ضعيف جدا وغير جاذب للاستثمار والعاملون فيه صنفان أساسا: مؤدلجون لخدمة قضايا وأجندات معيّنة، أو منتفعون لخدمة المسؤولين السياسيين ورجال الأعمال.

وفيما يتعلق بحرية التعبير يعتقد سيد أحمد محمد أنه يمكن لأي صحفي وحتى أي شخص أن ينتقد النظام، حتى على تلفزيون الحكومة، لكن ذلك لا يفضي لأي شيء، ولا يؤخذ أصلا على محمل الجد.

دعم الحكومة

أما الدكتور والإعلامي الداه إبراهيم ولد فال فيرى أن “موريتانيا تعيش جوا من الحرية يساعد على خلق بيئة عمل مناسبة للصحفيين، والدليل على ذلك نوايا الحكومة الحسنة تجاه القضايا الصحفية، إذ لديها صندوق مالي خاص لدعم الصّحافة، وتمّت مضاعفته في السنوات الأخيرة”.

وبخصوص تراجع موريتانيا في مؤشر حرية الصحافة يرى الداه إبراهيم أن هناك عدة عوامل تسبّبت في ذلك من أهمها: إقالة صحفييْن من التلفزيون الوطني العام الماضي، بسبب مواقفهما السياسية، وكان أحدهما رئيسا لنقابة الصحفيين.

ومن ضمن العوامل التي تسببت في تراجع البلاد في مؤشر حرية الصّحافة التأخر في تسوية الوضعية القانونية للإعلاميين المتعاقدين مع المؤسسات الحكومية الذين لم يحصلوا على كامل حقوقهم، وقاموا بتدويل قضيتهم عبر مراسلة هيئات صحفية وحقوقية عالمية.

ويرى بعض المراقبين، أن تصدر موريتانيا لحرية الصحافة في العالم العربي ليس نتيجة لمثالية القوانين المنظمة للحقل الإعلامي، ولكن نظرا لأن محيطها الأفريقي والعربي ما زال يضيّق الخناق على الحريات بشكل عام، ولا يفتح المجال للممارسات الديمقراطية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version