كلما تنوعت الجرائم واختلفت طرق ارتكابها وأساليب مرتكبيها من قتل وسرقة ونصب وسطو مسلح وإرهاب واحتيال، وكلما تطورت أساليب المجرمين واكبها تطور وسائل الكشف عنها من علوم الأدلة الجنائية، وتتطور طرق الكشف عنها والوقاية منها والبحث وراء الحقيقة وتعقب المجرمين. وتختلف علوم الأدلة ما بين الأدلة المادية والرقمية والقولية والظرفية، ويبقى الدليل الجنائي أصدق الشهود وفق تأكيد الخبير الجنائي العقيد الدكتور حسين آل صفية الذي بيّن لـ«عكاظ»، أن الأدلة الجنائية في المملكة أصبحت أحد أعمدة العدالة الحديثة، وأن أدوات مكافحة الجريمة باتت تسبق الجريمة نفسها، بفضل الكفاءات الوطنية والتقنيات المتطورة التي سخّرتها الدولة لحماية المجتمع وتعزيز الأمن. وأضاف أن الدليل الجنائي أصدق الشهود، وأن كل أثر في مسرح الجريمة يحمل حكاية قد تقود إلى الجاني، مهما كانت محاولاته لطمس الأدلة. ويكشف خبير الأدلة آل صفية؛ عن قضايا جنائية ساهمت الأدلة والتقنيات الحديثة في الكشف عن مرتكبيها، مؤكداً أن العلم لعب الدور الأبرز في إعادة العدالة وكشف الغموض، ومن أبرز القضايا الجريمة التي هزّت الرأي العام بعد مقتل أب وشقيقتيْن على يد ابنهم، الطالب في كلية الطب، باستخدام مادة سامّة، ورغم محاولة الجاني التستر على جريمته، إلا أن فحوص السموم الدقيقة كشفت الحقيقة، وأثبتت أن دافعه كان مادياً للاستيلاء على راتب الضمان الاجتماعي الخاص بوالده.

جثة في الخلاء

قضية أخرى يعرضها العقيد آل صفية وهي، أن أحد المجرمين حاول التخلص من الأدلة بحرق جثة الضحية في منطقة صحراوية نائية، إلا أن التحاليل المخبرية المتقدّمة وتمكُّن المختبرات الجنائية من تتبع الآثار، قادت إلى كشف هوية الجاني، في مثالٍ حي على كيف يمكن للعلم أن يُعيد كتابة تفاصيل الجريمة.

وفي جريمة اختطاف واغتصاب معقدة، قاد تحليل التربة العالقة بحذاء الضحية إلى تحديد موقع الجريمة والمركبة المستخدمة، مما مكّن الجهات المختصّة من تضييق دائرة الاشتباه والقبض على الجاني. كما أشار العقيد آل صفية، إلى أن التسلسل الجيني باستخدام الحمض النووي الميتوكوندري أسهم في تحديد الجناة في جرائم حاول مرتكبوها إخفاء الجثث وتدمير الأدلة.

وشدد على دور الذكاء الاصطناعي في تسريع التحقيقات، من خلال تحليل قواعد البيانات الضخمة من الصور والفيديوهات والتقارير، وهو ما أدّى إلى تقليص زمن الوصول إلى المشتبه فيهم، وزيادة دقة العمليات الأمنية.

آثار الأقدام والشعر

خبير الأدلة الجنائية العميد متقاعد صالح زويد الغامدي، يرى أن الأدلة الجنائية من الركائز الأساسية في أي تحقيق جنائي، ويعتمد عليها القضاء في إصدار الأحكام وكشف ملابسات الجرائم. مشيراً إلى أنها تتنوع بين المادية، القولية، الظرفية، والرقمية، ولكل منها تأثيره الخاص على مسار التحقيق وسير العدالة، وأضاف العميد متقاعد الغامدي في حديثه لـ«عكاظ»: كل نوع من هذه الأدلة له دوره في تعزيز التحقيقات الجنائية، وتقديم أدلة دامغة تساعد في تحديد الجناة وتبرئة الأبرياء، غير أن الأدلة المادية تعتبر من أقوى أنواع الأدلة الجنائية نظراً لصعوبة التلاعب بها أو إنكارها. وتشمل الأدلة المادية الملموسة التي يتم العثور عليها في مسرح الجريمة، مثل أداة الجريمة وبصمات الأصابع والحمض النووي (DNA) وآثار الأقدام والألياف والشعر التي يتركها الجاني خلفه، وتسهم في كشفه على يد خبراء الأدلة الجنائية.

كما تشمل الأدلة المادية الرقمية وهي المستخرجة من الأجهزة الإلكترونية، كما تأتي شهادة الشهود كدليل مهم، وأخيراً اعترافات المتهمين، وشدد العميد متقاعد الغامدي على أنه مع التقدم العلمي والتكنولوجي، شهدت أنواع الأدلة الجنائية تطورات كبيرة عززت من دقة التحقيقات وكفاءة الإجراءات القانونية، من الأدلة الرقمية تحليل الحمض النووي (DNA) وهو يتيح التعرف على الجناة بدقة عالية ويساعد في إعادة فتح القضايا الجنائية القديمة.

العين الخبيرة تلتقط

العميد متقاعد الغامدي يرى أن البصمات الوراثية تعد وسيلة قوية لتحديد هوية الأشخاص ويصعب تزويرها أو تغييرها، وتُستخدم في مطابقة الأدلة مع المشتبه بهم، وألمح إلى أن الأدلة الكيميائية والفيزيائية توفر معلومات دقيقة حول طبيعة الجريمة وأسلوب تنفيذها، كما يسهم الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الجنائية في تحليل الصور ومقاطع الفيديو لتحديد الجناة.

وأكد الخبير الأمني المتقاعد العميد الغامدي، أن الأدلة الجنائية في الأجهزة الأمنية تمتلك خبراء يقهرون الجريمة بالبصمة والأثر، وتقدم البراهين القاطعة ضد المتهمين، لمواجهتهم بها أمام الأجهزة العدلية، وتضم ضباطاً جامعيين وأفراداً متخصصين وخبراء في مجالهم صقلوا بدورات متخصصة داخل وخارج البلاد.

وأضاف الغامدي: العين غير الخبيرة قد لا تلتقط بعض التفاصيل البسيطة، ولا يشعر بها إلا عين خبيرة تطوف بمسارح الجريمة لتلتقط كل شيء لضبط الأدلة والقرائن في عمل متسارع لكشف الحقيقة وضبط الجناة عبر أحدث الوسائل التقنية ومواجهتهم بالحقيقة القاطعة غير القابلة للشك أو التضليل. وشدد على أن قاعدة بيانات الأدلة الجنائية لتوثيق بيانات أرباب السوابق والمجرمين، تعد من أهم الشعب التي تساعد على التعرف إلى كثير من مرتكبي الجرائم في مواقع مختلفة.

المستشار القانوني المحامي أحمد المالكي أوضح لـ«عكاظ»، أن المحققين الجنائيين خط الدفاع الأول في مواجهة الجريمة وكشف مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، ويتولون مهمات كشف الجرائم والبحث عن الأدلة وجمعها وتحليلها، واستكشاف دوافع ارتكابها، ويسهم المحقق الجنائي بشكل مباشر في إقامة العدل وحماية الحقوق.

وأضاف: أن هناك تقنيات حديثة مخصصة لكشف غموض الجرائم الجنائية والإيقاع بمرتكبيها وتوفر القدرات النوعية لكشف غموض الكثير من الجرائم الجنائية الغامضة، وذلك بجمع الأدلة والآثار وفحصها وتحليلها للحصول على نتائج دقيقة بصورة فورية، وتساهم في سرعة توفير الاستدلالات اللازمة لتحديد هوية المتورطين في الجرائم المختلفة وحسم القضايا الغامضة عبر استخدام أجهزة حديثة؛ منها جهاز رفع الآثار الدقيقة بواسطة الأشعة البنفسجية والحمراء التي تستخدم لتوضيح الآثار الموجودة في مربع البحث، وتوثيقها بالتصوير ورفعها باستخدام المواد الكيميائية، وإرسالها مباشرة للفحص والتحليل في معامل الأدلة الجنائية لاستخراج النتائج المطلوبة، كما يتم استخدام التحليل الصوتي لكشف جرائم التهديد أو الابتزاز، لإظهار النتيجة في حال تطابقها.

إلى جانب البرامج الحاسوبية التي تشمل البرمجيات الخاصة بفحص أجهزة تخزين ونقل المعلومات الرقمية واستخراج محتواها من الأدلة، واستعادة المواد المحذوف منها، واسترجاع المعلومات من الأجهزة التي يتعمد مرتكبو الجرائم إتلافها في محاولة لإخفاء الأدلة التي تدينهم.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version