في منطقة لا تزال موبوءة بالحروب الطائفية ذات الخلفيات التاريخية والجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية والحروب الأهلية والقتل على الهوية، وشعارات أخذ ثارات أحداث تاريخية وقعت قبل أكثر من 1400 سنة يكون إنتاج أي مواد تاريخية عن تلك الأحداث والشخصيات المثيرة للانقسامات الطائفية بمثابة صب للزيت على النار، وينتج عنها إزهاق أرواح بريئة على أرض الواقع، فأفضل ما يمكن فعله تجاه التاريخ في هذه الحالة هو تركه يرقد بسلام وعدم إيقاظه بالمسلسلات والأفلام التاريخية، ويكفي أننا منطقة تعيش في التاريخ والماضي ومغيبة عن الحاضر والمستقبل، ولذا ليست هناك أفلام ومسلسلات وروايات مستقبلية عربية، بينما في الغرب تعتبر الإنتاجات المستقبلية من أبرز الإنتاجات الفنية والأدبية، وهذا الفارق بين أمّة تعيش في التاريخ والماضي وبين أمّة تعيش في المستقبل، ولو كان العيش في التاريخ والماضي بلا آثار جانبية وخيمة لكان نصف مصيبة لكن المصيبة المضاعفة أن العيش بالتاريخ والماضي هو وقود الانقسامات والصراعات الطائفية والقتل على الهوية، وإن كان ولا بد إنتاج مواد تاريخية فهناك الكثير من الشخصيات المثيرة للاهتمام في مجالات العلوم والآداب والمعارف التي لا تثير حزازيات طائفية بل تشكّل هوية مشتركة بين الطوائف المختلفة، ومن المفيد إعطاء المكانة لتلك الشخصيات وعدم قصر المكانة على الشخصيات السياسية التي تثير الانقسامات والصراعات، فمعضلة العرب هي تسييس كل شيء، ولذا يحتاجون لهوية جامعة بديلة عن الهوية المسيّسة، وحتى لجهة الحسابات التجارية فالأعمال التاريخية عن الشخصيات المثيرة للانقسام والصراع لا تحظى بنجاح عالمي كالذي تحظى به الأعمال التاريخية التركية؛ لأن القنوات العالمية تعي أثرها السلبي على السلم الأهلي الهش في غالب المجتمعات المسلمة، ولذا لا تعرض مثل تلك الأعمال مهما كانت جودة إنتاجها التقني، ويجب أن يبقى مجال فحص التاريخ وتمحيصه مقتصراً في العالم الإسلامي على الأكاديميين الذين لا يطالع إنتاجاتهم إلا نظراؤهم ولا تصل غالباً إلى الرأي العام، ولذا لا تأثير لها على إثارة النعرات الطائفية لدى الجمهور، وأيضاً ضرر آخر للمسلسلات التاريخية هو أنها تمثّل عالماً افتراضياً للجماعات الإرهابية التي تريد إعادة المجتمعات المسلمة إلى العصور الوسطى تحت شعار الخلافة بالعنف والإرهاب، ولذا حتى خرائطهم تحمل أسماء البلدان كما كانت في العصور الوسطى، فالعقل المسلم لا يزال في الغالب عالقاً في التاريخ، ولذا يرى أن إصلاح وتحسين أوضاعه الحاضرة هي بالعودة إلى التاريخ بدل الانتقال إلى تصورات مستقبلية جديدة، والأعمال الفنية والأدبية يفترض أن تفتح آفاق العقل الجماعي على ما يتجاوز هذا القالب السائد، فلماذا العقل العربي والإسلامي عاجز عن إنتاج عمل واحد تمثيلي مستقبلي؟ هل هو الافتقار للخيال؟ لعله يلهم الأجيال الضائعة بين الحروب والإرهاب والتحريض الطائفي بواقع مختلف أفضل من حاضرهم، وهناك أجيال لم تعرف سوى الحروب والإرهاب والصراعات الطائفية ولذا كانت الأعمال التمثيلية المستقبلية ستمثل نافذة لهم على واقع مختلف لعله يلهمهم لكي يغيّروا واقعهم، بينما ما هي فائدة إنتاج أعمال تمثيلية تاريخية؟ من يريدها لأجل الفخر بالهوية فالفخر الحقيقي يكون بإنجازات ونجاحات الحاضر والمستقبل وليس بالتاريخ الماضي، فالدول الصناعية لا تفخر بالتاريخ الماضي إنما يفخرون بإنجازاتهم في الحاضر وبنائهم للمستقبل، وربما سيأتي زمن مستقبلي يكون من المناسب والآمن فيه صنع إنتاجات تمثيلية تاريخية عندما لا يكون لها أثر تحريضي على الصراعات الطائفية ولا تلهم الجماعات الإرهابية لإرادة تقليد التاريخ وإعادته إلى الحياة عبر العنف والإرهاب عندما لا تكون المنطقة العربية والإسلامية غارقة في الحروب الأهلية والإرهاب والصراعات الطائفية والسلم الأهلي الهش.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version