فيما يلي كلمة دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الدورة العادية (34) 17 مايو 2025 بغداد :
فخامة الدكتور/عبداللطيف رشيد، رئيس جمهورية العراق الشقيقة، رئيس الدورة العادية (34) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي/ أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لنا في البداية أن نتقدم بالشكر والامتنان إلى فخامة الدكتور/
عبداللطيف رشيد – رئيس جمهورية العراق الشقيقة، على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وترؤس فخامته أعمال الدورة العادية (34) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، والشكر موصول لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين الشقيقة، على الجهود المقدرة خلال ترؤسه للقمة العربية في دورتها العادية الـ(33)، كما يسرنا أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى معالي/ أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية والعاملين بالأمانة العامة، على الجهود المبذولة في
الإعداد الجيد لأعمال هذه القمة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تمر منطقتنا العربية، والشرق الأوسط عموماً، بمرحلة خطيرة من حالة عدم الاستقرار وتغيرات متسارعة ترمي بظلالها على السلام والأمن الإقليمي والدولي، الأمر الذي يتطلب مزيداً من التنسيق والتعاون بين دولنا للحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها وتحقيق التنمية والازدهار لدولنا وشعوبنا.
ونحن نراقب بقلق بالغ تبعات استمرار دوامة التصعيد والعنف والمواجهات وتداعياتها على الأمن والاستقرار في الإقليم وخارجه.
وانطلاقا من نهجها الثابت، فإن دولة الإمارات تؤمن بأن تغليب الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات والنزاعات وبناء جسور الشراكة والتعاون، وتعزيز قيم التضامن والتسامح والتعايش السلمي، هي الضامن لمعالجة الأزمات، وتغليب لغة العقل والحلول الدبلوماسية.
في خضم هذه الأوضاع، نؤكد على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك والتضامن لمواجهة التحديات التي تمر بها منطقتنا العربية، ولإنهاء التطرّف والتوتر والعنف المتصاعد في المنطقة، وتفعيل دور الدبلوماسية والحوار في حل الخلافات، وتدعيم قواعد وسلطة الدولة العربية الوطنية وتقوية مؤسساتها الشرعية، والتركيز على نشر الاستقراروتحقيق التنمية والازدهار.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن النهج الأساس للسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة ولعلاقاتها الخارجية هو السعي لخلق الاستقرار وبناء الازدهار في المجال الإقليمي والمجال الدولي، ودفع الحلول والمبادرات السلمية للنزاعات والصراعات، إلى جانب إيلاء الشؤون الإنسانية أولوية خاصة، ومن هذا المنطلق نتعامل مع التوترات القائمة في المنطقة.
في هذا الصدد، فإن الإمارات العربية المتحدة، تسعى جاهدة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة، من قبل إيران، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية أو القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، وفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي.
وفي ضوء ما يشهده قطاع غزة والأرض الفلسطينية المحتلة من استمرار العنف والهجمات الإسرائيلية، نكرّر إدانتنا
واستنكارنا لتلك الأعمال، وندين ونرفض بأشد العبارات جميع التصريحات والإجراءات الاستفزاز ية التي تستهدف الفلسطينيين، ونطالب المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة على الأرض الفلسطينية المحتلة، التي تعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والقرارات الدولية ذات الصلة.
وفي سياق متصل، نؤكد رفضنا بشكل قاطع جميع المحاولات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين قسرا من أراضيهم، مما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وغير مقبولة وغير قابلة للتنفيذ وتشكل تهديدا لاستقرار وسيادة أشقائنا في مصر والأردن، واستفزازا وتأجيجا للرأي العام العربي والمسلم، ومدعاة لمزيد من عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة.
وفي ضوء ما يجري فإنه غير مجد ولا مقبول العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبل السابع من أكتوبر 2023، وعلينا الدفع بعملية تؤمن حلا مسؤولا ومستداما ليس فقط لمستقبل قطاع غزة وإنما للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يوفر أفقا سياسيا على أساس حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعيش بأمن وسلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.
ولن يكون متاحا العمل على الاستقرار وإعادة البناء في غزة بدون الربط بهذا الأفق السياسي، فلا تهجير سكان غزة مقبول، ولا بقاء قطاع غزة بدون سلطة وطنية فلسطينية شرعية كفء ومسؤولة وقادرة على حصر السلاح بيدها وتأمين الأمن والإستقرار وسيادة القانون.
ومن جانبنا، لن ندخر جهدا في دعم الأشقاء الفلسطينيين وتسخير أي توجه أو تحرك دبلوماسي لرفع معاناتهم. حيث تتسق الجهود الإماراتية
في هذا الشأن مع الثوابت التاريخية في سياستها الخارجية المتمثلة في التزامها بتعزيز السلام والعدالة، وصون حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق،
وستواصل دولة الإمارات العمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم السلام والتعايش عبر التوصل إلى حلول
سياسية دائمة للصراعات في المنطقة من خلال الحوار والتفاهم. في ذات الوقت الذي يستمر فيه توفير الدعم الإنساني والإغاثي للأشقاء الفلسطينيين، وتوفير المستلزمات المنقذة للحياة في قطاع غزة، وإيصالها بكل الطرق الممكنة. وفي هذا الإطار ننوه بالجهود المشكورة من جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، للتوصل إلى حلول متوافق عليها لوقف الحرب في قطاع غزة والإفراج عن
المختطفين والمحتجزين وتدفق المساعدات الإنسانية والإغائية، تمهيدا لحل سياسي مستدام للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،فيما يتعلق بالسودان، تبدي دولة الإمارات قلقا بالغا إزاء الوضع الإنساني الكارثي والمتدهور، وانعدام الأمن الغذائي والصحي الحاد، الذي وصل إلى حد المجاعة في مناطق عدة من السودان، وتدعو إلى إزالة العراقيل أمام وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المناطق الأكثر حاجة إليها، بشكل فوري وآمن ومستدام ودون أي عوائق، بمافي ذلك عبر الحدودوخطوط النزاع.
والقلق يمتد إلى عواقب استمرار الحرب الأهلية بين الأطراف السودانية، منذ أن اندلع القتال في إبريل 2023، وما يحمله من تبعات
خطيرة على مستقبل الأمن والاستقرار ليس في السودان فحسب، وإنما على الأمن والاستقرار في عموم الدول المجاورة وفي القرن الأفريقي ومنطقة الساحل كذلك.
وإذ تابعت دولة الإمارات، بكل أسف واستغراب، ما يصدر عن سلطة بورتسودان من سردية تضليلية وادعاءات باطلة وكاذبة، بحق دولة الإمارات ودورها الإنساني والحيادي في الأزمة السودانية، فإنها تؤكد رفضها القاطع وبأشد العبارات تلك الإدعاءات التي تفتقر إلى أدنى درجات المسؤولية والموضوعية، والتي تحاول من خلالها سلطة بورتسودان التهرب من مسؤوليتها عن الإنتهاكات والوضع الكارثي الذي يتكبد ولايته الشعب السوداني، وكذلك التهرب من مسؤوليتها عن التعنت والرفض المتواصل للانخراط الجاد في مسارات الحل السياسي، والإستجابة للمبادرات الإقليمية والدولية الداعية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للنزاع القائم في السودان.
فالهروب من الفشل الداخلي عبر افتعال الخصومات وتصدير الأزمات إلى الخارج، لا يغير من الواقع شيئاً، بل يفاقم معاناة المدنيين ويعرقل جهود الإغاثة الدولية،ويضع السودان في عزلةإقليمية ودولية.
ولقد جاء القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتار يخ 5 مايو 2025، الذي يرفض الدعوى المقدمة من قبل سلطة بورتسودان ضد دولة الإمارات، وشطب القضية من سجل المحكمة وإنهاء كل الإجراءات المتعلقة بها، ليؤكد بشكل واضح وقطعي أن الدعوى المقدمة لا أساس لها من الصحة وقائمة على باطل، ومن البديهي، فإن القرار يمثل رفضاً حاسماً لمحاولة سطلة بورتسودان استغلال المحكمة لنشر المعلومات المضللة، وتشتيت الانتباه عن مسؤوليتها في الصراع، وكذا محاولاتها البائسة لإستغلال المنابر الإقليمية والدولية، في جهد يائس، للتضليل والإفتراء على دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبالإضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية فإن التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني بالسودان، التابع للأمم المتحدة، الصادر بتاريخ 17ابر يل 2025، قد دحض أي ادعاءات ضد دولة الإمارات وضلوعها بالنزاع في السودان.
فموقف دولة الإمارات كان ولا يزال واضحا منذ بداية الحرب الأهلية في السودان، حيث ظلت على الدوام داعية لوقف هذه الحرب وسندا وداعما للشعب السوداني عبر تقديم المساعدات الإنسانية وبذل الجهود الدبلوماسية
المتواصلة لتعزيز الامن والاستقرار، وفاعلا أساسيا في كل الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى الحل السلمي للنزاع في السودان، وصولا إلى تمكين حكومة مدنية مستقلة عن العساكر، للعبوربالسودان إلى بر الأمان والإستقرار.
وفيما يخص إعلان ما يسمى بمجلس الأمن والدفاع السوداني بقطع العلاقات مع دولة الإمارات وإعلانها دولة عدوان، تؤكد دولة الإمارات أنها لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، باعتبار أن هذه السلطة ليست شرعية ولا تمثل الشعب السوداني، وأن البيان الصادر عن ما يسمى بمجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات وجمهورية السودان وشعبيهما الشقيقين، وتشدد دولة الإمارات بإن هذا الإعلان جاء رد فعل عقب يوم واحد فقط من فشل سلطة بورتسودان نتيجة رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة منها ضد دولة الإمارات.
وإزاء كل هذه التطورات في الوضع القائم في السودان، فإن دولة الإمارات ستبقى داعية إلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية بين الأطراف السودانية المتحاربة، إذ أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، وستواصل العمل مع كافة الجهات المعنية لدعم العودة لمسار العملية السياسية في السودان، وأية عملية تهدف إلى وضع السودان على مسار التوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة مدنية انتقالية مستقلة عن سلطة العسكر، تؤمن للسودان مستقبلا مستقرا وأمنا، وتحافظ على إستقلال السودان وسيادته ووحدة إراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
ولم تأل دولة الإمارات جهدا في الاستجابة للوضع الإنساني الكارثي في السودان وتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة للأشقاء السودانيين، فعلى مدار العقد الماضي، قدمت دولة الامارات أكثر من 3.5 مليار دولارأمريكي كمساعدات للشعب السوداني، مؤكدة التزامها بمساعدة المحتاجين في أوقات الأزمات، ومنذ اندلاع الحرب الاهلية في السودان في 2023، قدمت دولة الامارات أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية مباشرة وعبر وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية الدولية.
لقد آن أوان العمل الحاسم والحازم، ليتوقف القتل، ويبنى مستقبل السودان على أسس صلبة من السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة بعيداً عن السيطرة العسكرية، وأولئك الذين يسعون إلى إطالة أمدالحرب على حساب شعبهم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إتساقا مع نهج دولة الإمارات العربية المتحدة ومبادئ وقواعد سياستها الخارجية فيما يتعلق بالعمل على إيجاد حلول سياسية للأزمات والاوضاع القائمة في
اليمن وسوريا ولبنان وليبيا والصومال،فإننا نؤكد الدور المحوري للمملكة العربية السعودية الشقيقة وجهودها في الوصول إلى عملية سياسية يمنية لحل الأزمة في اليمن بما يحقق مصالح الشعب اليمني. وكذلك للجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة وبقية الشركاء الدوليين للتوصل إلى حل سياسي يلبي طموحات الشعب اليمني الشقيق في السلام والاستقرار والتنمية، ونؤكد على أهمية مسؤولية المجتمع الدولي في الحفاظ على أمن وحرية الملاحة البحرية المشروعة، في أعالي البحار والمضائق البحرية الحيوية، ضمن إطار القوانين والقواعد الدولية ونجدد وقوفنا إلى جانب الشعب اليمني الشقيق وتعزيز الإستجابة الإنسانية لإحتياجاته ودعم تطلعاته المشروعة في الاستقرار والحياة الكريمة.
وفي الجمهورية العربية السورية رحبنا بتولي فخامة أحمد الشرع الرئاسة في سور يا، معربين عن أملنا بأن تتكلل جهود الحكومة السورية في هذه المرحلة الدقيقة بالنجاح بما يلبي تطلعات الشعب السوري، وسعادتنا بالزيارةالناجحة لفخامة الرئيس احمد الشرع إلى دولة الإمارات، مؤكدين على موقفنا الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة لتحقيق آمال الشعب السوري الشقيق في الأمن والاستقرار والتعايش السلمي والتنمية. ومتطلعين إلى تطوير العلاقات بين بلدينا الشقيقين بما يحقق تطلعات شعبيهما ويخدم المصالح المشتركة.
وفي الجمهورية اللبنانية نجدد ترحيبنا بانتخاب فخامة جوزاف عون،رئيسا للجمهورية اللبنانية، وتشكيل الحكومة، بقيادة دولة الرئيس نواف سلام، مما يعد خطوة حاسمة نحو تقوية دور الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومما سيساهم في تحقيق تطلعات الشعب اللبناني وطموحاته في التقدم والازدهار، مقدرين الز يارة الناجحة لفخامة الرئيس جوراف عون إلى دولة الإمارات والتي أسفرت عن تصميمنا المشترك على تطوير العلاقات بما يحقق تطلعات شعبينا الشقيقين وخدمة مصالحنا المشتركة.
وفي الشأن الليبي، نجدد الدعوة إلى الحل السلمي للأزمة الليبية، بما يحفظ أمن واستقرار ووحدة ليبيا، ويحقق تطلعات الشعب الليبي الشقيق نحو التنمية والاستقرار والازدهار.
وفي الصومال، نؤكد على استمرار دعم الحكومة الفيدرالية الصومالية في مواجهة الإرهاب وبسط وتأمين سيادتها الوطنية، وندعو إلى عدم التدخل في شؤون الصومال الداخلية، وأهمية تأمين الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي وأهمية إعمال الحلول السلمية واتباع الطرق الدبلوماسية لحل أية خلافات بين دوله.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
ونحن نعقد قمتنا هذه في أرض العراق الشقيق، فإننا نؤكد تضامننا الكامل مع العراق في مواجهة التحديات التي يمر بها، ونقدر مساعي العراق المستمرة لاستعادة دوره الإيجابي في محيطه العربي والإقليمي الأوسع، ونتطلع إلى عراق مستقر ومزدهر، وندعم كل ما يحقق له أمنه
واستقراره ووحدة أراضيه وسيادته واستقلاله، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. ونؤكد العزم على تعزيز وتعميق علاقات التعاون والشراكة بين بلدينا الشقيقين بما يؤمن الأمن والإستقرار والتقدم والتنمية والإزدهار في المنطقة ويحافظ على العلاقات الأخوية بين دولها جميعا وعلى استدامة الترابط والتضامن والمحبة بين شعوبها، وإحترام سيادتها وإستقلالها ووحدة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
تواصل دولة الإمارات -في إطار التزامها الدائم بالسلام والعدالة- جهودها الحثيثة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك من خلال تأكيد موقفها الحاسم والداعم لتعزيز قيم التسامح، والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمذاهب والمعتقدات.
إن محاربة التطرف وخطاب الكراهية والتحريض من جهة، وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي والوسطية من جهة أخرى، هي سمات أساسية ومترسخة في نهج وسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، ونحن مستمرون في نشرها وتعزيزها في سبيل خير البشرية وبناء الازدهار وتقوية روابط التضامن والتعايش في المجال الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، واصلت دولة الإمارات، خلال العام الجاري، دورها المحوري في تعزيز صوت الاعتدال، ونشر ثقافة التسامح والانفتاح حول العالم، حيث استضافت في فبراير الماضي، المؤتمر العالمي للتسامح والأخوة الإنسانية، لبلورة رؤية شاملة يشارك فيها الجميع من مختلف الأديان والطوائف والقيادات الفكرية تستند على المبادئ التي قامت عليها وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية، وتشكل منطلقا يكرس قيم التسامح والاخوة الإنسانية في الخطاب الديني والمجتمعي حول العالم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن إعلان صاحب السمو رئيس الدولة “حفظه الله” عام 2025 عاما للمجتمع هو تجسيد لنجاحنا وتقدمنا، وتعبير عن أن تراثنا الوطني يستند إلى قيمنا الإسلامية الراسخة والتقاليد العربية العر يقة، التي تعمل على ترسيخ مركزية دور الأسرة في المجتمع، وتعزز قيادة الشباب، وإيلاء تمكين المرأة ومساهمتها في الحياة العامة أولوية بارزة، ورعاية الطفولة وحماية حقوقها ومستقبلها،بالإضافة إلى الطاقة الإبداعية لشعبنا،الملتزم بالقيم الأساسية لدولة الإمارات وبالتقدم الاقتصادي والتكنولوجي، حيث إن الجهود والأفكار الإبداعية تساهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام، وإن التنمية لا يمكن استيرادها، بل يجب أن تنبع من خلال شعب متعلم ومتفانٍ لمستقبل وطنه، وقادر على المنافسة في السوق العالمية، وإن التعاون الإقليمي والدولي ضروري لنمو المعرفة ولمعالجة التحديات الوطنية والعالمية.
فلقد أصبحت دولة الإمارات اليوم شريكا عالميا في رحلة بناء مستقبل قائم على التكنولوجيا المتقدمة والابتكار والذكاء الاصطناعي، تماشيا مع رؤيتها الطموحة لتحقيق التقدم والريادة في هذه المجالات عالميا، حيث أحرزت دولة الإمارات مركزاً ريادياً، ضمن قائمة أفضل 10 دول عالمياً، من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي لكل مليون نسمة، وذلك وفقاً لمؤشر تنافسية الذكاء الاصطناعي العالمي الصادر عن المنتدى المالي الدولي، ويجسّدهذا الإنجاز رؤية الدولة الاستراتيجية، لترسيخ مكانتها كقوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، وضمن خطط دولة الإمارات طويلة المدى في إعداد الأجيال القادمة لمستقبل مختلف وعالم جديد ومهارات متقدمة اعتمدت حكومة الإمارات، بتاريخ 4 مايو ،2025، منهجا لاستحداث مادة الذكاء الاصطناعي في كل مراحل التعليم الحكومي في دولة الإمارات، بدءاً من العام الدراسي المقبل، هدفنا تعليم أجيالنا الفهم العميق للذكاء الاصطناعي، وترسيخ وعيهم أيضاً بأخلاقيات هذه التكنولوجيا الجديدة، وكيفية ارتباطه بالمجتمع والحياة.
كما حققت الامارات تقدما ملحوظا في إطار إستراتيجيتها الجديدة للتجارة الخارجية الهادفة إلى توسيع قاعدة الشركاء التجار يين حول العالم، وفتح أسواق جديدة للصادرات، وترسيخ مكانة دولة الإمارات مركزا عالميا للتجارة وممرا عالميا للسلع والخدمات، وبيئة مزدهرة للاستثمار والصناعة والتكنولوجيات.وحافظت على مسارها التصاعدي في تقارير التنافسية العالمية خلال عام 2024، عبر تبوؤها المراكز المتقدمة في أبرز المؤشرات،وحصدت المركز الأول عالمياً في 223 مؤشراً، مقابل 215 مؤشراً في العام 2023، كما جاءت ضمن أفضل 5 دول عالمياً في 444 مؤشراً، مقابل 406 مؤشرات في 2023، وجاء هذا التقدم ترجمة واقعية لعملية التحديث المستدامة في البنية التشريعية، وإطلاق المبادرات الاستباقية التي تدعم المنظومة الاقتصادية والاستثمار، وسيادة القانون، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة، وتطوير أداء مختلف القطاعات بما يعزز جودة الحياة لجميع مواطنيها والمقيمين على أرضها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن دولة الإمارات تطبق نهجاً استباقياً ومتكاملاً في دعم الاستثمارات الخضراء وتعزيز بناء اقتصاد مستدام، عبر إطلاق العديد من المبادرات والإستراتيجيات الوطنية البارزة، مثل “إستراتيجية الإمارات للطاقة “2050 و”المبادرة الإستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي “2050، وفي إطار تعزيز التزاماتها البيئية، أطلقت الإمارات “المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لسنة “2024 بشأن الحد من تأثيرات التغير المناخي، والذي سيدخل حيز التنفيذ في 30 مايو 2025، لتحقيق إدارة فعالة للانبعاثات، بما يضمن مساهمة الدولة الفعالة في الجهود الدولية الرامية إلى الحد من تداعيات تغير المناخ، وصولاً إلى تحقيق الحياد المناخي.
وفي إطار إستراتيجية دولة الإمارات للتنويع الاقتصادي، يحتل تنويع مصادر الطاقة البديلة والمتجددة أهمية أساسية، حيث أصبح مزيج الطاقة في دولة الإمارات مثالا يحتذى ليس فقط في المنطقة، وإنما كذلك في العديد من دول العالم،فقد نجحنا في بناء قطاع الطاقة النووية السلمية، فمحطة الطاقة النووية في براكة تساهم بحوالي %25 في الشبكة الكهربائية في البلاد، وبالمثل نجحنا في قطاع الطاقة الشمسية مدشنين محطات طاقة شمسية ضخمة في المناطق المختلفة في البلاد، وعملنا على تطوير تكنولوجيا طاقة الرياح، مما مكننا من إستخدام طاقة الرياح بصورة مبتكرة ونقل هذه التجربة للدول الشقيقة والصديقة. ومع النجاح في تنويع مصادر الطاقة تولي دولة الإمارات أهمية كذلك لرفع كفاءة إستهلاك الطاقة والحد من الهدر والفاقد بوسائل مبتكرة، بما في ذلك رفع كفاءة الشبكة الكهربائية تقنيا وإداريا.
وللمشاركة في معالجة أزمة ندرة المياه، أطلقت دولة الإمارات، العام 2024، “مبادرة محمد بن زايد للمياه”، بهدف تعزيز الوعي بأهمية أزمة ندرة المياه وخطورتها على المستوى الدولي، وتطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمعالجتها، والسعي إلى زيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي، وتوفير المياه النظيفة والمستدامة للجميع.
وفي الوقت الذي يعاني فيه %90 من سكان منطقتنا العربية من ندرة المياه، فإن هذه المبادرة تأتي في وقتها، للإسهام في تعزيز الأمن المائي الذي يشكل أولوية في تأمين التنمية المستدامة. كما ستستضيف دولة الإمارات في عام 2026 “مؤتمر المياه” بالشراكة مع جمهورية السنغال تعزيزا للعمل الدولي في معالجة أزمة ندرة المياه.
ولا شك أن تعزيز الأمن المائي على صلة وثيقة وحاسمة بتعزيز الأمن الغذائي وإستدامته. لذا أعتمدت دولة الإمارات “الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي “2051، التي تهدف لأن تكون دولة الإمارات الأفضل عالميا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول 2051، وتطوير إنتاج محلي مستدام ممكن بالتكنولوجيا لكامل سلسلة القيمة، وتطوير منظومة وطنية شاملة للإنتاج الغذائي، بالإضافة إلى بناء الشراكات الإستراتيجية، إقليميا ودوليا، لتعزيز منظومة الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد.
وأثبتت الإمارات قدرتها على أن تصبح نموذجاً يحتذى في دعم تمويل المبادرات البيئية، حيث تحتل الإمارات المرتبة الأولى في المنطقة والثانية عالميًا في حجم صكوك الاستدامة القائمة، مما يعكس التزامها الثابت بتعزيزالاستدامة كجزء أساسي من إستراتيجيتها للنمو الأخضر.
ويمثل قطاع الفضاء الوطني رؤية دولة الإمارات للمستقبل، حيث نجحت الإمارات في معانقة الفضاء بمشاريع وطنية وقدرات أبنائها الفذّة، ما جعلها تعزز مكانتها عربياً ودولياً في فترة وجيزة. وشهد قطاع الفضاء الإماراتي نقلة نوعية شاملة ونمواً متسارعاً في وقت قياسي، حيث بلغت استثمارات الدولة في قطاع الفضاء 40 مليار درهم إماراتي، خلال السنوات الماضية، وارتفعت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير لمشاريع استكشاف الفضاء بنسبة %14.8 مقارنة بعام .2023 وبلغت النسبة السنوية لنمو عدد الشركات العاملة في هذا المجال في الدولة .%29 فيما بلغت نسبة تمويل واستثمارات القطاع الخاص في الفضاء %44.3 ما يشير إلى تنامي دور القطاع الخاص في قطاع الفضاء.
ويستعد العالم لاستكشاف القطب الجنوبي للقمر، عبر «بوابة الإمارات»، التي ستكون طريق الرواد والعلماء في استكشاف الفضاء، المقرر إطلاقها عام 2030، وذلك انطلاقاً من الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 والتي أطلقتها دولة الإمارات في مارس 2019، بهدف تشكيل شراكات واستثمارات محلية وعالمية فاعلة في صناعة الفضاء، وتعزيز القدرات المحلية المتقدمة في البحث والتطوير والتصنيع لتكنولوجيا الفضاء.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تولي دولة الإمارات حيزا أساسيا، في سياستها الخارجية وجهودها الدولية، للأعمال الإنسانية والمساعدات الإغاثية والتنموية، وتخليدا لإرث الشيخ زايد، طيب الله ثراه، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً اتحادياً في 27 أكتوبر 2024 بشأن إنشاء “مؤسسة إرث زايد الإنساني”، تخليداً لإرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” وجهود رموز الدولة المستمرة في العمل الإنساني والخيري والتنموي.
وفي الختام، نجدد شكرنا وتقديرنا لما بذله جميع القائمين من جهود لإنجاح أعمال هذه الدورة والدفع قدماً بمسيرة العمل العربي المشترك ونتطلع لتجاوز الظروف والتحديات التي تمر بها المنطقة والاستفادة من الفرص لكي تنعم شعوبنا العربية بالأمن والاستقرار والحياة الكريمة والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.