قال البيت الأبيض اليوم إن إيران تتجه نحو إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، بعد إعلانها عن إطلاق مباحثات مع طهران ستتواصل السبت المقبل في سلطنة عُمان، في حين شددت إيران على أن تمسكها بالمفاوضات غير المباشرة خيار إستراتيجي.
وقال البيت الأبيض إن المحادثات مع إيران السبت المقبل ستكون مباشرة وستكون هناك عواقب وخيمة إذا لم تختر طهران الدبلوماسية، مضيفا أن الرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات مشددة على إيران وأوضح أن أمامها خيار التوصل لاتفاق أو دفع ثمن باهظ.
من جهتها قالت وزارة الخارجية الأميركية إن تركيز واشنطن حاليا ينصب “ضمن سياستنا تجاه إيران وهي منعها من امتلاك سلاح نووي، وما سيحدث في عُمان ليس مفاوضات بل محادثات لاستكشاف ما يمكن تحقيقه”.
وفي السياق، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مستشار الأمن القومي الأميركي أن “أي اتفاق جديد يجب ألا يمكن إيران من تخصيب اليورانيوم، ولا نريد تكرار الجهود الفاشلة لإدارة (الرئيس السابق جو) بايدن لإحياء الاتفاق النووي كما أننا عازمون على إجراء مفاوضات مباشرة لتجنب محادثات مطولة”.
الموقف الإيراني
وفي المعسكر المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقال لواشنطن بوست إن “الاتفاق النووي قد لا يعجب ترامب لكننا نلتزم فيه بعدم حيازة سلاح نووي، وعلينا أولا أن نتفق على استحالة وجود خيار عسكري وترامب يدرك ذلك”.
ولوح عراقجي بأن “أي صراع سيكلف أضعاف ما أحرقه أسلاف ترامب في أفغانستان والعراق وسيمتد عبر المنطقة ويكلف تريليونات من أموال دافعي الضرائب”.
وأقر الوزير بأن “الأمور تسوء مع الإصرار الأميركي على سياسة الضغط الأقصى، ونحن نواجه جدارا كبيرا من انعدام الثقة ولدينا شكوك في صدق النية”، معتبرا أن “المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين فرصة بقدر ما هي اختبار”.
ورغم هذا المنحى التشاؤمي، قال عراقجي “مستعدون للعمل بجدية من أجل اتفاق وسنلتقي في سلطنة عمان السبت لإجراء مفاوضات غير مباشرة، ونحن نعتبر الاتصالات محاولة جادة لتوضيح المواقف وفتح آفاق جديدة للدبلوماسية، كما أن خيار التفاوض غير المباشر ليس تكتيكا أو انعكاسا لأيديولوجية بل خيار إستراتيجي”.
تصريحات سابقة
وفي تصريح للتلفزيون الإيراني الرسمي خلال زيارته الرسمية إلى الجزائر، أوضح عراقجي أن محادثات السبت المقبل مع واشنطن ستكون غير مباشرة ومن دون أي شروط مسبقة، موضحا أن بلاده مستعدة لإزالة الغموض المحيط ببرنامجها النووي.
وقال إن إيران واثقة من الطابع السلمي لبرنامجها النووي، ولا ترى مشكلة في بناء مزيد من الثقة “ما دامت هذه العملية لا تشكل قيدا علينا أو عقبة أمام أهدافها”. وشدد عراقجي على أن الهدف الأساسي في المفاوضات مع واشنطن هو رفع العقوبات.
وأضاف أن شكل المفاوضات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لا يأتي في الدرجة الأولى من الأهمية، وأوضح أن فاعلية المفاوضات وجدية الطرفين وإرادتهما للتوصل إلى اتفاق هو الأهم.
وذكر أن شكل المفاوضات يرتبط بمسائل متعددة لذلك تقرر أن تكون غير مباشرة، وأن طهران لا تؤمن بالمفاوضات التي يفرض فيها الطرف الآخر مطالبه عبر التهديد والضغط.
وأشار عراقجي إلى أن المفاوضات غير المباشرة يمكن أن تضمن حوارا حقيقيا ومؤثرا، وأن إيران ستواصل اتباع هذه الطريقة.
وفي منشور على منصة إكس، كتب عراقجي أن “إيران والولايات المتحدة ستجتمعان في عُمان السبت لإجراء محادثات غير مباشرة رفيعة المستوى”، مضيفا: “إنها فرصة بقدر ما هي اختبار. الكرة في ملعب أميركا”.
عراقجي وويتكوف
وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء أن عراقجي سيترأس الوفد الإيراني خلال المحادثات المرتقبة في سلطنة عمان السبت المقبل، بينما سيرأس الوفد الأميركي مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن طهران وواشنطن ستعقدان في عمان محادثات غير مباشرة. وأضافت في مؤتمر صحفي أن طهران تؤمن بمبدأ الحوار وأكدت سابقا أنها ستخوض المفاوضات إذا خوطبت بلغة الاحترام.
وردا على سؤال عما إذا كانت المفاوضات غير المباشرة ستتحول إلى مفاوضات مباشرة، أوضحت أنه يجب أن تبدأ عملية التفاوض لمعرفة كيف سيكون هذا المسار.
وفي وقت سابق، أعلن الرئيس الأميركي لأول مرة، أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الاثنين، عن إجراء محادثات أميركية مباشرة مع إيران، مضيفا أن نجاح هذه المفاوضات سيكون إيجابيا لإيران وإلا فستكون في “خطر كبير”.
وقال ترامب إن “إيران لا يمكن أن تملك سلاحا نوويا. وإذا لم تنجح المحادثات، أعتقد أنه سيكون يوما سيئا للغاية لإيران”، وأكد أنه “لا واشنطن ولا إسرائيل ترغبان في المشاركة في أي صدام ما دام تجنبه ممكنا”.
وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لشبكة فوكس نيوز إن “الإيرانيين الآن سيأتون للتفاوض وهم يدركون أهمية أخذ تحذيرات الرئيس ترامب على محمل الجد”.
من جهته، قال البيت الأبيض إنه ستكون هناك عواقب وخيمة إذا لم تختر إيران الدبلوماسية، وإن الرئيس ترامب فرض عقوبات مشددة على إيران وأوضح أن أمامها خيار التوصل لاتفاق أو دفع ثمن باهظ.
ترحيب روسي
وفي ردود الفعل الدولية على هذه التطورات، أعرب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن تأييد موسكو وترحيبها بأي اتصالات مباشرة وغير مباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشأن الملف النووي الإيراني.
وقال بيسكوف إنه لا يمكن إلا الترحيب بخطط عقد مفاوضات بين واشنطن وطهران لأنها يمكن أن تؤدي إلى تخفيف حدة التوتر حول إيران. وجدد بيسكوف تأييد موسكو للتسوية السياسية والدبلوماسية للملف النووي الإيراني.
وفي إسرائيل كان الامتعاض سيد الموقف، فقد نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مصادر سياسية قولها إن إسرائيل لم تكن تعلم مسبقا بالاتفاق بين ترامب والإيرانيين بشأن مفاوضات بين الطرفين، وذكرت أن مصدرا في الوفد الإسرائيلي أكد أن الصدمة كانت واضحة على وجوه الوفد الإسرائيلي في واشنطن عقب الإعلان عن المفاوضات.
#إيران: نؤمن بمبدأ المفاوضات وكما أكدنا سابقا سنخوضها إذا تمت مخاطبتنا بلغة الاحترام pic.twitter.com/HgrgzYt2NL
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 8, 2025
“الضغوط القصوى”
وأجرت الولايات المتحدة وإيران محادثات غير مباشرة خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، لكنها لم تحرز تقدما يذكر. وكانت آخر مفاوضات مباشرة معروفة بين الجانبين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي قاد جهود التوصل للاتفاق النووي بين طهران وقوى عالمية في عام 2015، وهو الاتفاق الذي انسحب منه ترامب لاحقا.
وكان ترامب قد بعث الشهر الماضي برسالة إلى طهران يدعوها إلى إجراء مباحثات بشأن برنامجها النووي، محذّرا في الوقت نفسه من تعرضها “للقصف” إذا فشل التفاوض بين البلدين.
وخلال ولايته الرئاسية الأولى، اعتمد ترامب سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، إذ أعلن بشكل أحادي انسحاب بلاده من الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي، وإعادة فرض عقوبات على طهران التي ردت بالتراجع تدريجيا عن التزاماتها ضمن الاتفاق.
وعقب عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، عاود ترامب اعتماد سياسة “الضغوط القصوى” تجاه طهران، لكنه أكد في موازاة ذلك انفتاحه على الحوار معها لإبرام اتفاق نووي جديد.
من المبكر الحكم
وتعليقا على استئناف المحادثات، قال المحلل في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني إنه من المبكر الحديث عن انفراج لأن إيران تريد التأكد من جدية الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق، في ظل الإشارات المتضاربة الصادرة عن المسؤولين الأميركيين بمن فيهم ترامب وويتكوف.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال أصلاني إن تلك التصريحات المتباينة أربكت الموقف وصعبت على إيران فهم ما تريده الولايات المتحدة فعلا، ولذلك تمسكت بأن تكون المفاوضات غير مباشرة في انتظار ما سيتبين عن جدية الجانب الأميركي من عدمها.
وقال أصلاني إن التهديدات الأميركية باللجوء إلى ضربات عسكرية لم تحقق المرجو، لأن واشنطن تسعى لخلق تهديد ذي مصداقية ضد طهران من خلال الضغط عليها وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات المطلوبة، لكن هذا النهج قوبل برفض من إيران التي صرحت بأنها لن تدخل في محادثات مباشرة تحت الضغط أو في ظل العقوبات والتهديدات.
وحسب المحلل الإيراني، فقد زادت هذه التهديدات الوضع تعقيدا وجعلت الطريق نحو التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة، كما أنها قد تفضي إلى نتائج عكسية لأنها لن تفشل فقط في تحقيق أهدافها، بل ستدفع إيران إلى الرد.