حين وُلدت زها حديد في بغداد عام 1950، لم يكن أحد يتخيل أن تلك الطفلة القادمة من ضفاف دجلة ستغيّر وجه العمارة العالمية، وتُعيد تعريف الجدران والزوايا والأفق. لكنها فعلت. وكأنها جاءت من زمن آخر، لا تؤمن بالمستطيل ولا تنحاز للخط المستقيم، بل تنحت الزمان في المكان، وتُذيب الخرسانة في انحناءة الحلم.

كانت زها عبقرية الشكل والمعنى. درست الرياضيات أولاً، ثم المعمار، فجمعت بين الصرامة والخيال. لم تكن مجرد مهندسة، بل كانت فنانة تفكر بالبُنى كما يُفكر الشاعر بالكلمات. سرُّ تميزها أنها لم تنظر إلى المباني ككتل صماء، بل ككائنات حية تنبض بالحركة والانسياب. ولهذا، حملت تصاميمها شيئاً من الماء، شيئاً من الريح، وشيئاً من الموسيقى الحرة.

ارتفعت بصمتها في مدن كثيرة، من مركز حيدر علييف في باكو، إلى دار الأوبرا في غوانغتشو، ومن متحف ريفرسايد في غلاسكو إلى جسر الشيخ زايد في أبوظبي. وكانت السعودية من ضمن مسارح إبداعها، حيث تركت إرثاً لا يُنسى. أبرزه محطة مترو مركز الملك عبدالله المالي في الرياض، التي بدت كأنها موجة زجاجية تتحرك في قلب الصحراء، وكأنها تُمهد لقدوم مدينة المستقبل.

في صباح 31 مارس 2016، أُسدل الستار على حياة زها. لم تمت كما يموت الناس، بل انطفأت فجأة مثل نجم شُوهد للمرة الأخيرة في سماء ميامي. كانت تُعالج من التهاب رئوي، حين باغتتها أزمة قلبية لم تمهلها لتودّع أو ترسم منحناها الأخير. رحلت زها كما عاشت: قوية، متفردة، غير متوقعة.

قالوا في وداعها: «لقد كانت أهم مهندسة معمارية في العالم». لكن الحقيقة أوسع: لقد كانت حكايةً كاملةً تُروى بالأشكال، وصوتاً بصرياً لا يُنسى.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.