أخبار ذات صلة

 

من كان يصدّق أن الحرب الأهلية في سوريا يمكن أن تنتهي بين يوم وليلة وترجع للحياة المعتادة بعد سيطرة جماعة إسلامية على مقاليد الأمور، وتقابل بالقبول من دول العالم التي سارعت لإرسال مبعوثيها لمقابلة الحكام الجدد، والبطل في كل هذا المشهد هو العقلانية الواقعية التي انتهجها الحكام الجدد، والتي تخالف السلوكيات المألوفة للجماعات الإسلامية التي تضاد الحسابات العقلانية الواقعية، ولذا هي دائماً في حال صدام مع الجميع وتضر نفسها بنفسها، فسبب كل صدام للتيارات الإسلامية مع المجتمعات هو افتقارها للعقلانية الواقعية حتى صار الافتقار للعقلانية الواقعية مرادفاً للخطاب الديني، وجعل حتى المسلمين ينفرون منه؛ لأنهم يرونه لا يقدم حلولاً واقعية وعقلانية للأمور، ومحصوراً في الجدليات النظرية التاريخية والواقع الافتراضي التاريخي، ولذا حتى الفتاوى قائمة على ظروف الماضي التاريخي ولا تأخذ بالاعتبار الواقع المعاصر المختلف جذرياً عن الواقع التاريخي، ولو انتهج الحكام الجدد لسوريا النمط المعتاد للجماعات الإسلامية وبخاصة تكفير ومقاتلة غيرها من الجماعات لكانت استمرت الحرب الأهلية رغم سقوط نظام بشار، وانتشرت الفوضى والعمليات الإرهابية، وأيضاً لو انتهجت نهج الجماعات الإسلامية في فرض مظاهر التدين على الناس بالإكراه لواجهت مقاومة شعبية تؤدي إلى الفوضى بخاصة أن سوريا بلد متعدد الطوائف وغير معتاد على النموذج الأصولي للتدين، وأبرز مثال على العقلانية الواقعية هو موقفها من المرأة، حيث من المعتاد أن الجماعات الإسلامية عندما تبسط سيطرتها على أي منطقة أو بلد تجرد النساء من جميع الحقوق الأساسية وتحبسهن في البيوت وتمنعهن من التعليم والعمل، كما هو الحال في أفغانستان والمناطق القبلية في باكستان، بينما الحكام الجدد في سوريا وعدوا بعدم تطبيق نموذج طالبان في سوريا، وهذا من العقلانية الواقعية المخالفة لأدبيات الجماعات الإسلامية التقليدية، وهذا كان عنصراً أساسياً في تقبل الحكام الجدد في المجتمع الدولي؛ لأن اضطهاد المرأة هو من أبرز أسباب عزل أي نظام ومقاطعته دولياً كما هو الحال في أفغانستان، حيث أوقفت غالب الهيئات الدولية نشاطاتها الخيرية في أفغانستان احتجاجاً على قوانين طالبان التي تحرم النساء كل الحقوق الأساسية، وأيضاً من مظاهر العقلانية الواقعية عدم القيام بانتقام طائفي واقتصار الملاحقات الأمنية على من تورطوا بجرائم ضد الأبرياء، وأيضاً من مظاهر العقلانية الواقعية عدم المساس بالمقدسات التي للطوائف الأخرى، وحمايتها. وقد ألقت سلطات الحكام الجدد القبض على أكثر من شخص من داعش كانوا على وشك القيام بعمليات إرهابية ضد مقدسات الطوائف الأخرى، مع العلم أن حماية تلك المقدسات التي للطوائف الأخرى كانت الحجة التي تم بها تجنيد جماعات من أفغانستان وباكستان وإيران ولبنان اقترفوا جرائم طائفية بحق الشعب السوري وانسحبوا من سوريا قبيل سقوط النظام مع أنه تم تجنيس عدد كبير منهم بالجنسية السورية، ومن مظاهر العقلانية الواقعية أيضاً عدم ملاحقتهم لمؤيدي نظام بشار الذين لم يتورطوا بجرائم ضد الأبرياء، وبذلك تجنبوا ويلات ما تسمى بالعدالة الثورية التي بسببها أقامت الحركات الثورية محاكم تفتيش تعاقب كل مؤيدي النظام المخلوع. وفي الثورة الفرنسية التي توصف بأنها ثورة حقوق الإنسان أسمى الثوار عهد ما بعد الثورة بعهد الإرهاب؛ لأنهم أرهبوا به كل من لم يكن مؤيداً لهم وحكموا عليهم بالإعدام بالمقصلة. ومن أبرز مظاهر العقلانية الواقعية هو الحفاظ على مؤسسات الدولة وعدم تفكيكها بحجة ولائها للنظام المخلوع وإحلال الثوار مكان التكنوقراط/‏الخبراء/‏المتخصصين، والاقتصار على دمج الثوار ومنسوبي الجماعات في الجيش، وكل أمثلة العقلانية الواقعية للحكام الجدد لسوريا هي درس لكل الجماعات والحركات والتيارات الإسلامية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version