حين غادر الإصبع مثواه الذي تشبث به لأربعين عامًا، لم يلتقطه سوى ناصر، التقطه بفضول الأطفال وهو يُقلبه بين أصابعه الصغيرة غير مدركٍ لماهية هذه القطعة السوداء الصلبة ببراجمها الناتئة. أطلق قدمه للريح وهو يقصد جدته «جواهر» ويناديها وهي تُشرع يديها للمدى لاستقباله. وحين وصل إليها أقعدته في حِجرها جاعلةً رأسه الصغير يتوسد صدرها ووجهه يغطى بشيلتها المعفرة بأطياب الريحان والبردقوش، وحين أحاطته بذراعيها كما تفعل دومًا، رفع يده ملوحًا بغنيمته كي تراه، وفور أن رأت ما تحمله يداه وتبينت الظفر فيه قذفت بحفيدها فزعة وهي تردد بهلع: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله»، ودموعها تنساب كنهر على وجنتيها، وناصر ما يزال يُحاول أن يعيي ما حدث، يمسك بركبته المكشوطة وهو يبكي، جاء أبوه مسرعًا على إِثر صوت والدته وبكاء ابنه، يهم بحمله بين ذراعيه ويلتفت نحو والدته مستفهمًا بعينيه عمّا حدث، إذ ارتسم على وجهها فزع لم يشهده من قبل إلا مرةً واحدة للحظةٍ تتعلق بذاكرته كالحلم، أشارت له وهي تغطي وجهها وعينيها بشيلتها نحو مكان ما في الأسفل وتدخل في نوبة بكاء ونحيب، وحين التفت إلى التي أشارت إليها انجذب بصره نحو القطعة السوداء وحين حملها وأدارها بين أصابعه قذف هو الآخر بها، لقد كان هذا إصبع والده الذي مات على إثر انفجار لغم كان يصنعه بيديه ويزوده بالبارود وطاشت أشلاؤه المتفرقة على نحو استعصى معه أن يتمكنوا من غسله أو أن يتنبهوا للإصبع الذي قذفت به قوة الانفجار إلى سقف ممر البيت، وبعد تلك السنوات وحين تعب من الوحدة غادر السقف مُخلفًا فزعًا جديدًا يُضاف لأحداث تلك الليلة.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.