تستوقفني الفلسفة اليابانية وطريقة التفكير والتوجه الذهني المختلف الذي يغير نمطية الحكم المطلق والقوالب الجامدة، إذ يرى اليابانيون كل ما آلت أليه حياتهم من نقص بمنظار آخر ومفهوم قيمي مميز يدعى «الوابي سابي» (يعد من التقاليد اليابانية المتأصلة)، فهم يرون أن الجمال في النقص، وأن كل شيء زائل وعابر، وتكمن الحكمة بقبول تام لذلك وسلام ورضا.

ومصطلح آخر مشابه ولكنه أكثر تعقيداً وهو «الكينتسوكوروي»؛ وهو الذي يعنى بإصلاح الأواني المكسورة ولحمها وترميمها بالذهب وأحياناً بالفضة أو البلاتين، لتزداد جمالاً وقيمة، كما أنني أراه فلسفة إذا ما أسقط على النفس البشرية، فهم بذلك يوصلون رسالة جوهرية بأن لا تخفوا عيوبكم بل اقبلوها واعملوا على الترميم والإصلاح بأجمل صورة، فنجد ذلك في حقيقة تعاملاتهم، وأسلوب معيشتهم، وانضباطهم وصناعتهم.

من هناك إلى هنا في الأحداث اليومية والملاحظات الثاقبة في التعاملات والرؤية عن كثب؛ نجد أن إخفاء العيوب بدفنها وعدم الاعتراف بها ورمي ما انكسر وإبعاده بعيداً منطق سائد عند الأغلب، ويقابله مطالبة واستحقاق عالٍ بغير وجه حق دون السعي المسبق للتحسين أو التغيير.

إن النقص والعيوب في الأشياء والأواني المكسورة قد ترمز للنقص الذي قد يعترينا والانكسارات التي تعرضنا لها من الداخل في معترك الحياة.

إن كل ما يحصل لنا هو جزء ثمين من هويتنا، وأن مواطن الضعف يجب أن نواجهها وننقب عن الذهب في داخلنا لتتم عملية الترميم الخاصة بنا.

مما يرشدنا لنخرج من القالب الجامد ضد العيوب والتلفيات التي نشعر حيالها بامتعاض وخوف ورفض إلى تقبل وتسليم وإصلاح وترميم واحتفاء بكل حدث جيد أو خلافه مع التحسين لإعطاء قيمة جديدة أكثر إشراقاً ولمعاناً.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version