بعض تاريخ العالم العربي مزيج من الكلمات، والخطب، والشعارات الرنانة. وقد كانت مرحلة نفثت أدخنتها السوداء عقوداً في عقل ومخيلة الرأي العام العربي، حتى اختلطت الحدود، وتناقضت المفاهيم. يعوّض الخطيب باللغة البليغة، ما لا يستطيع فعله بشكل الواقع. وهنالك فرق بين من يبني دولته بالدم والدمع والدماء، وبين من يستخدم الكلمات كجسر للخديعة.

ويعلمك التاريخ كيف أن زعماء ودولاً لم يكونوا سوى جبال من الكلمات، والخطب الصوتية الفارغة. ترويج لأحلام وسياسات لا تنتمي للعصر، ولا تبني المستقبل. قيادات أضاعت شعوبها، ولم يبق سوى الوهم، والشعارات الكبيرة، والمحصلة لا شيء سوى أمل لا غد له.

يحسب للسياسي السعودي عقلانيته البليغة في ذلك العصر الذي تلاطمت فيه أمواج الأحلام الرومانسية الفارغة والعروبية الحزبية دون مشروع مستقبل. لقد كانت السعودية صوت العقل في عالم يموج بالخطط العقلية التي لا علاقة لها في الواقع. في تلك الحقبة كان الجمهور أهم من العقل والعقلانية.

إنني أتذكر كيف كان عبدالناصر يغري العالم العربي بكلام ليس ككل الكلام، وأحلام متفردة، وطموحات بديعة، لكنها لا علاقة لها بتلك القدرة، والواقع الذي يعيش فيه الناس هذه المرحلة، وهذه الرقعة الجغرافية، كان كلاماً بريئاً عن عالم لا وجود له.

وحين أبحر في تاريخ تلك المرحلة تكتشف كيف أن الكل يهاجم السعودية وكأنها عدو للحضارة، ومع ذلك أثبتت أنها سفيرة الحضارة والحداثة.

لقد كان المايكروفون فيروساً عربياً لشعوب أدمنت أفكار الخداع بامتياز، لا يتنافس معهم في هذا القاموس سوى قلة من الدول التي لا ترى المستقبل بشكل واضح. مجرد أعوام تحولت إلى أوهام عظمة وجنون لا تعد أفكارها ولا تحصى.

على العكس خطباء الغرب الذين يعرفون متى يتوقفون ويعرفون حدود المشهد والتوقيت بشكل واضح. يظهر زعماء الغرب بعقلانية مبهرة. فلقد يلقي ريغان خطابه وهو يعرف أن هنالك من أعد الخطاب وجهز المسرح وكتب سيناريو الحفل ودرس رغبة الجمهور وانفعالاته. الأمر لا علاقة له بقدرة شخص بل هو دور يؤدى ضمن حدود معروفة.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version