يشكو كثيرون الإفراط في تناول الطعام في ظروف نفسية تنتج عنها مشاعر سلبية، ويُعرف هذا بظاهرة الأكل العاطفي، وهو تناول الطعام لأسباب غير الشعور بالجوع، فيما أكد مختصون أن المشاعر تؤثر كثيراً في السلوك الغذائي، حيث يمكن للطعام أن يتحول إلى وسيلة للتعامل مع المواقف الصعبة، بملء الفراغ العاطفي أو التخفيف من الملل أو التشتت، ومع الوقت قد ينعكس هذا السلوك على الصحة الجسدية والنفسية للفرد، محذرين من ثمانية أحاسيس تؤدي إلى الانغماس في الأكل بشراهة في جميع الأوقات، وقدموا ست نصائح للمساعدة على التوقف عن هذه العادة.

وتفصيلاً، يعرف الأكل العاطفي بأنه تناول الطعام كوسيلة لقمع أو تهدئة المشاعر السلبية، مثل التوتر، والغضب، والخوف، والملل، والحزن، والشعور بالوحدة، ويمكن أن تؤدي متاعب الحياة اليومية إلى إثارة مشاعر سلبية تدفع إلى الأكل العاطفي، والتسبب في زيادة الوزن السريع، وحذر أطباء، وخبراء تغذية، من ظاهرة «الأكل العاطفي»، التي تعكس علاقة غير صحية مع الطعام، مشيرين إلى أن العلاقة الصحية مع الطعام تقوم على تحقيق التوازن والمرونة، بحيث تتيح لنا اتخاذ قرارات تحترم احتياجات أجسامنا وإحساسنا بالجوع، دون الشعور بالذنب عند تناول ما نرغب فيه.

وحذر استشاري الطب الباطني، الدكتور فتحي الجيوراني، من أن بعض الناس يأكلون بسبب الملل، أو لتشتيت الانتباه، أو لنقص الأنشطة الممتعة، أو للتحفيز، لذا يعد إدراك الفرق بين الجوع العاطفي والجوع الجسدي «الحقيقي» أمراً بالغ الأهمية، لضمان تلبية احتياجات الجسم الفعلية بدلاً من استخدام الطعام للتعامل مع المشاعر، مشيراً إلى أن الجوع العاطفي غالباً ما يؤدي إلى عادات غذائية غير صحية، وإلى زيادة الوزن.

وقال: «ينشأ الجوع العاطفي بسبب مشاعر، مثل التوتر أو الملل أو الحزن، وقد يؤدي إلى الشعور بالذنب بعد تناول الطعام، وغالباً ما يرتبط برغبات معينة مثل (عادة الأطعمة السريعة)، في حين يعتمد الجوع الجسدي على الحاجة الفسيولوجية للطاقة»، لافتاً إلى وجود بعض الاستراتيجيات التي تساعد على التقليل من هذه الحالة، منها استبدال الطعام بممارسة النشاط البدني كالقيام بنزهة، أو بتمارين سريعة، أو ممارسة «اليوغا»، أو الرسم أو الكتابة أو الحرف اليدوية، حيث يمكن للنشاط البدني أن يحول التركيز على الملل إلى اللياقة البدنية، إضافة إلى تعزيز المزاج، كما أن يمكن أن تقلل التفاعلات الاجتماعية مثل التواصل مع الأصدقاء أو العائلة من مشاعر العزلة وتوفر تشتيتاً بعيداً عن الملل.

وأشار، الجيوراني إلى أن من المهم شرب كوب من الماء قبل الأكل، وفي حال الفشل في السيطرة على هذه الحالة، يمكن تناول وجبات خفيفة صحية، مثل شرائح التفاح، أو الخضراوات مع الحمص، أو حفنة من المكسرات، أو وعاء صغير من الزبادي، إذ إن هذه الخيارات مغذية، وتساعد على كبح الرغبة الشديدة في تناول الطعام، دون سعرات حرارية مفرطة.

فيما أوضح استشاري الطب النفسي، الدكتور مدحت الصباحي، أن المشاعر السلبية بشكل عام تُعد دافعاً قوياً للأكل، لذا يلجأ الشخص إلى تناول كميات مضاعفة من الطعام كملاذ للتخفيف من حدة المشاعر السلبية كالتوتر والقلق، والحزن والملل والوحدة، وبدلاً من مواجهة المشكلات، تكون استراتيجية الهرب من الضغوط النفسية التي تهدد استقرار الشخص وقدرته على التأقلم مع واقعه بتناول كميات كبيرة، معتقداً أنه بهذه الطريقة سيلهي نفسه عن ظروفه الصعبة.

وقال: «تتضمن المحفزات التي تنشط عملية الأكل العاطفي مشاعر التوتر النفسي الناتجة عن العلاقات، والأمور المالية، وضغط العمل، حيث تخلق هذه المشاعر السلبية إحساساً بالفراغ، وقد يعتقد الشخص بأن الطعام هو وسيلة لملء هذا الفراغ، حيث يخلق شعوراً زائفاً بالامتلاء»، مشيراً إلى وجود عدد من الدوافع الأخرى للأكل العاطفي منها فقدان الدعم الاجتماعي الذي قد يحتاج له الشخص الذي يعاني مشاعر سلبية، وعدم القدرة على الانخراط بالأنشطة والفعاليات التي تخفف من التوتر، فيكون اللجوء إلى الأكل هو الحل.

وأشار الصباحي إلى أن الأكل العاطفي أحد أعراض مرض الاكتئاب غير النمطي أيضاً، لتخفيف الشعور بالوحدة والحزن، كما أنه أحد أعراض اضطرابات التغذية «زيادة الشهية العصبي»، لذا يجب تحديد أسباب الأكل العاطفي لتحديد طريقة التعامل معه، لافتاً إلى أنه في حد ذاته ليس مرضاً، لكن يمكن أن يكون عرضاً لأمراض أخرى، تؤثر في الصحة النفسية والجسدية.

فيما قالت أخصائية التغذية العلاجية، الدكتورة سلام صغير: «ينتج عن التوتر والضغط ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يؤدي إلى الشعور بالرغبة الشديدة في الأكل، لذا عدم القدرة على التمييز بين الجوع الجسدي والجوع العاطفي، هو أحد الدوافع الرئيسة للأكل العاطفي، وعندما يتعرض شخص ما إلى الضغوط، فقد يلجأ إلى الحديث السلبي للذات، الذي قد تنتج عنه دورة من الأكل العاطفي حيث إنها وسيلة مريحة يلجأ إليها الأشخاص للتخفيف من ضغط المشاعر السلبية عنهم كالتوتر والغضب والملل، ويكون ذلك دون الشعور الفعلي بالجوع».

وأضافت: «من علامات الأكل العاطفي الشعور فجأة بالرغبة في تناول الطعام، وتكرار التردد على المطبخ والأكل في أوقات غير معتادة، والميل لأكل كميات كبيرة، والإحساس بالندم بعد الانتهاء، وزيادة الوزن في وقت قصير، لذلك من المهم وضع أهداف للتغلب على العادات الغذائية غير الصحية وشرب كميات كبيرة من الماء، إلى جانب ممارسة الرياضة، وتدوين كل ما يتم تناوله خلال اليوم، لأن ذلك يساعد على مراقبة النفس، وإدراك اختيارات الأطعمة وأوقات تناولها».

وأشارت صغير إلى أن الأشخاص يختارون الهرب إلى الأكل كلما واجهوا موقفاً أخافهم أو أحزنهم، أو حتى شعروا بالفراغ، فيعرضون أنفسهم لمشكلات كثيرة وعلى رأسها السمنة وأمراض أخرى، كالسكري والضغط، لأنهم ينتقون الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون العالية مثل الآيس كريم ورقائق البطاطا والبيتزا وغيرها من المأكولات السريعة، وخصوصاً في الليل عندما يبدأ الإنسان يفكر ويعيد حساباته بكل الأزمات التي تحيط به.

6 خطوات للسيطرة

وفي السياق ذاته، قدمت مدربة اللياقة البدنية، تانيا إلياس، ست نصائح تساعد على السيطرة والتوقف عن سلوك الأكل العاطفي، شملت الاحتفاظ بمفكرة غذائية لتدوين ماذا نأكل، والكمية التي نأكلها، ومتى نأكل، وشعورنا أثناء الأكل، وترويض الضغوط النفسية التي تدفعنا لتناول الطعام، والتحقق من واقعية الشعور بالجوع، والحصول على دعم العائلة والأصدقاء للابتعاد عن عادة الأكل النفسية، ومحاربة الملل بدلاً من تناول وجبة خفيفة، والتخلص من المغريات، وعدم الاحتفاظ بالأطعمة السهلة التي تصعب مقاومتها في المنزل، إضافة إلى الابتعاد عن أسلوب الحرمان خلال محاولة إنقاص الوزن، وتناول كميات مرضية من الأطعمة الصحية.

نصائح صحية

وقدم الخبراء نصائح لتعزيز العادات الغذائية الصحية، منها تجنب الحديث السلبي عن شكل الجسم، وعدم استبعاد فئات غذائية معينة من الطعام، وتعريف الطفل بالخضراوات والفواكه عبر الحرص على تقديمها له باستمرار في كل وجباته، وعدم توبيخ الأطفال والمراهقين على تناول أطعمة معينة، والتوقف عن ربط المكافآت بالطعام، ومشاركة الأطفال الطعام نفسه، والحوارات الغذائية الإيجابية، والتحدث معهم عن خيارات الطعام الصحي، ومشاركتهم في التسوق، واتخاذ قرارات الشراء وعملية الطهي، لتشجيعهم على تقبل الأطعمة المُختلفة، وتشجعهم على تجربتها.

الفرق بين الجوع العاطفي والحقيقي

أكد المختصون أن الجوع العاطفي فوري، وتتولّد لدى المرء رغبة آنية قوية في تناول الطعام، أما الجوع الحقيقي فيأتي بشكل تدريجي، ويمكن للمرء التحكّم به أو تأخيره بسهولة مقارنة بالجوع العاطفي، ويشتهي الشخص الذي يشعر بالجوع العاطفي أنواع الطعام التي تُشعره بالراحة عند تناولها، أما الشخص الذي يشعر بالجوع الحقيقي فيُمكنه إشباع حاجته بتناول أي نوع من الطعام، فيما يُمكن إشباع الجوع الحقيقي بمجرد امتلاء المعدة، أما الجوع العاطفي فيدفع الشخص لتناول الطعام بكميات كبيرة، ولفترات طويلة من دون تفكير، كما يمكن أن يؤدي الجوع العاطفي إلى الشعور بالذنب والندم، لأن الشخص يُدرك جيداً أنه استسلم لهذه الرغبة المُلحّة، وتناول طعاماً قد لا يكون جسمه بحاجة له، على عكس الجوع الحقيقي.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.