شهدت الأيام الماضية ارتفاع وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية للمستشفيات في قطاع غزة، فكيف تعمل إسرائيل على تدمير منشآت الرعاية الصحية وقتل من فيها من المرضى والأطباء والكادر؟ وكيف تبرر ذلك؟

خلال الأيام الماضية تم قصف مستشفى ناصر في خان يونس، وخرج المستشفى الأوروبي بخان يونس من الخدمة، وتم قصف مستشفى العودة في جباليا، وأصدرت إسرائيل أمر إخلاء لمستشفى الشفاء في غزة.

واليوم، نقل مراسل الجزيرة تعرّض المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة لأضرار بعد غارات إسرائيلية استهدفت محيطه.

واتهمت منظمات الإغاثة وتحقيقات الأمم المتحدة إسرائيل بالسعي إلى تدمير البنية التحتية الصحية في غزة.

وتعمل إسرائيل عبر هجماتها على قتل الكادر الطبي والمرضى وكأن لسان حالها أنها تريد قتلهم بالرصاص قبل أن يموتوا بالمرض الذي كان سبب دخولهم المستشفى أصلا أو الإصابة التي تعرضوا لها نتيجة الحرب الإسرائيلية أيضا.

وقال مدير المستشفى الأوروبي عماد الحوت في مقابلة هاتفية مع صحيفة نيويورك تايمز إن الغارات -التي قال إنها نفذت دون سابق إنذار- ألحقت أضرارا بالجدران والأنابيب وقطعت إمدادات المياه وأخرجت المستشفى من الخدمة، وأجبرت معظم المرضى البالغ عددهم 200 مريض على المغادرة.

وتعزز الهجمات على المرافق الطبية الاتهامات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

وبحلول أوائل مايو/أيار الجاري سجلت منظمة الصحة العالمية 686 هجوما على المرافق الصحية في غزة منذ بدء الحرب، وقد ألحقت هذه الهجمات أضرارا بما لا يقل عن 33 مستشفى من أصل 36 في غزة وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وفي مرحلة ما جعلت 19 منها على الأقل غير صالحة للعمل، وقد عادت 5 منها إلى الخدمة منذ ذلك الحين.

الحرب القانونية الطبية

وفي مقالة بحثية لنيكولا بيروجيني ونيف غوردون نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية في أبريل/نيسان 2024 تحت عنوان “الحرب القانونية الطبية.. النكبة وهجمات إسرائيل على الرعاية الصحية الفلسطينية” ابتكر الكاتبان مصطلح “الحرب القانونية الطبية” لوصف كيفية تبرير إسرائيل هجماتها الممنهجة على مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة خلال هجماتها العسكرية الخمس على القطاع المحاصر بين عامي 2008 و2023.

وتحدّث المقال عن أن إسرائيل توظف قوانين النزاع المسلح المتعلقة بالدروع البشرية و”دروع المستشفيات”، لإضفاء طابع أمني على البنى التحتية المنقذة للحياة والمستدامة وشرعنة تدميرها.

ووصف الكاتبان “الحرب القانونية الطبية” بأنها شكل عنصري من أشكال الحكم الميت يعزز منطق النكبة الاستعماري الاستيطاني القائم على الإقصاء، في حين يُتهم الفلسطينيون بالتسبب في كارثة لأنفسهم.

وقال الكاتبان إن الجولات المتعددة من الهجمات العسكرية التي نفذتها إسرائيل منذ فرض الحصار على غزة عام 2007 يجب أن ينظر إليها على أنها تكثيف للنمط الحالي من التهجير والقضاء الاستعماري الاستيطاني.

وفي الواقع، كانت للحصار الذي استمر 17 عاما آثار كارثية على سكان غزة، فقد حُبس أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، مما حد من قدرتهم على الحصول على العلاج الطبي والتعليم والتوظيف والفرص الاقتصادية، وحتى على الحياة الأسرية والاجتماعية.

وقد جعل الحصار العسكري الإسرائيلي الأغلبية العظمى من سكان غزة معدمين ويعانون من سوء التغذية.

وحتى قبل حرب عام 2023 بلغ معدل وفيات الرضع 22.7 لكل ألف ولادة حية مقارنة بأقل من 3 وفيات لكل ألف ولادة في إسرائيل.

وهذا يعني أنه قبل الحرب كان الأطفال حديثو الولادة في غزة أكثر بـ7 مرات عرضة للوفاة مما لو كانوا قد وُلدوا على بعد ساعة واحدة بالسيارة في بئر السبع أو تل أبيب.

وعلاوة على ذلك، كان متوسط ​​العمر المتوقع في غزة قبل الحرب نحو 74 عاما، في حين يتوقع أن يعيش الإسرائيليون 9 سنوات أطول.

وتعود هذه الفجوة الواسعة في المقام الأول إلى الاختلافات الحادة في العوامل الأساسية المحددة للصحة بين غزة وإسرائيل، وهي اختلافات تزداد وضوحا مع كل جولة عنف متصاعدة، إضافة إلى وصول نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة إلى نحو 1050 دولارا في عام 2021 مقارنة بـ51 ألفا و100 دولار في إسرائيل.

حرب الإبادة

وتحدّث الكاتبان أيضا عن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقالا إنه من المؤكد أنها أدت إلى المجاعة والمخاوف الخطيرة بشأن انتشار الأمراض، ونظرا للهجمات المنهجية على المرافق الصحية وانعدام الوصول بالنسبة للرعاية الصحية فإن من المرجح أن تسهم هذه الأمراض في ارتفاع عدد القتلى المذهل أصلا في غزة.

وبهذه الطريقة، تستمر النكبة في غزة في التكشف نتيجة انفجارات دورية من العنف والعنف الهيكلي المستمر الذي يمكن تصوره كمجموعة من “الترتيبات الاجتماعية التي تعرّض الأفراد والسكان للخطر”.

والعنف الهيكلي هو نوع من العنف يعمل من خلال “إضعاف منهجي”، والذي يشمل التدمير المادي للفئة المستهدفة “من خلال الاكتظاظ وسوء التغذية والأوبئة ونقص الرعاية الصحية”.

وبالتالي، فهو غالبا شكل بطيء من العنف الذي يدمر صحة السكان بطريقة مطولة ومستنزفة وأقل إثارة للقلق بشكل واضح، لأنه ليس واضحا بشكل فوري مثل العنف الانفجاري الذي يحركه الفاعل وينشر لفترة زمنية معينة قبل أن ينحسر.

وتشمل الأشكال الهيكلية للعنف التي تؤثر على صحة الفلسطينيين في غزة حرمانهم من الرعاية الصحية ونقص الخدمات الصحية المتاحة وتطبيق إستراتيجيات تقوض المقومات الأساسية للصحة.

وفي نهاية المطاف أضعفت إسرائيل بشكل ممنهج البنى التحتية للرعاية الصحية الفلسطينية في غزة، وبما أن الرعاية الصحية عنصر أساسي لاستدامة الكيان الاجتماعي فإن الهجمات العنيفة والهيكلية على الرعاية الصحية ينبغي فهمها كجزء من إستراتيجية الاستئصال المستمرة للنكبة التي تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للعيش، بل إن وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر صرح علنا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 قائلا “إننا نواصل نكبة غزة”.

إضفاء الشرعية على تدمير البنى التحتية

وقال الكاتبان إن إسرائيل تعمل على إضفاء الشرعية على تدمير البنى التحتية المنقذة للحياة والمستدامة في غزة.

ووفقا لقوانين النزاع المسلح، “يجب احترام وحماية المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في جميع الأوقات، ويجب ألا تكون هدفا للهجوم”.

وحلل الكاتبان سلسلة من التقارير والرسوم البيانية والرسوم الكاريكاتيرية ومقاطع الفيديو التي نشرتها جهات فاعلة مختلفة قبل وأثناء وبعد جولات الاعتداءات العسكرية على غزة التي شنت منذ حصار عام 2007، وتتبعا ظهور وانتشار خطاب سمياه “الحرب القانونية الطبية”، وهي عبارة صاغاها لوصف إستراتيجية اعتمدها الجيش والحكومة الإسرائيليان لإضفاء الشرعية على الهجمات على البنى التحتية المنقذة للحياة والمستدامة من خلال تحويل اللوم عن هذه الهجمات إلى الفلسطينيين أنفسهم.

وتشكل “الحرب القانونية الطبية” خطابا يهدف إلى دعم وتبرير شكل من أشكال الحكم العنصري المفرط في الكراهية، وهي عملية بلغت ذروتها باستهداف إسرائيل غير المسبوق للبنى التحتية للرعاية الصحية عام 2023، كاشفة -إن جاز التعبير- كيف تستخدم الحرب القانونية الطبية لتبرير حملة إسرائيل الإقصائية وتحويل غزة إلى مساحة غير صالحة للعيش.

ضرورة حماية المدنيين ومرافق الرعاية الصحية

وأمس الأربعاء، أكد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في نداء مجدد على ضرورة حماية المدنيين ومرافق الرعاية الصحية بقطاع غزة.

وأفاد المكتب بأن الأعمال العدائية اشتدت خلال الليل مع هجوم شنته القوات الإسرائيلية على مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الأشخاص، وكان فريق من منظمة الصحة العالمية موجودا داخل المستشفى وقت الهجوم.

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “إن هذه الهجمات لا تفاقم تدهور نظام الرعاية الصحية المدمر أصلا في غزة فحسب، بل تفاقم أيضا صدمة المرضى والطاقم الطبي في هذه المرافق”.

وصرح المكتب بأن تصاعد الأنشطة العسكرية وتزايد التلوث بالذخائر المتفجرة يزيدان مخاطر السلامة على المدنيين، بمن فيهم عمال الإغاثة، قبل أن يؤكد مجددا على ضرورة حماية المدنيين ومرافق الرعاية الصحية دائما.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version