لاتزال عمليات الاحتيال الإلكتروني تحصد ضحايا جدداً، مدفوعة بابتداع المحتالين طرقاً مبتكرة، تُوقع الضحايا في شباك الخداع، على الرغم من التحذيرات الرسمية المتكررة من التعامل مع الحسابات المشبوهة على منصات التواصل الاجتماعي.
ورصدت «الإمارات اليوم» على منصات «التواصل» انتشار حسابات إلكترونية تنتحل صفة مَزارع متخصصة في بيع المواشي، مستخدمة رخصاً تجارية مزورة، وصوراً مفبركة، تدرج مواقع وهمية عبر تطبيق «غوغل ماب»، للإيحاء بوجود مزرعة حقيقية على أرض الواقع.
ووفق عدد من الضحايا، فإن المحتالين يقدمون عروضهم الرقمية بمستوى احترافي، مستخدمين صوراً عالية الجودة، ومحتوى تسويقياً جذاباً يمنحهم صدقية مؤقتة، سرعان ما تنهار بعد تحويل المبالغ المالية إليهم، إذ يكتشف الضحايا أنهم وقعوا في فخ محكم يصعب تتبعه تقنياً.
وقال المواطن أحمد الرئيسي، الذي تعرّض لعملية احتيال إلكتروني بعد مشاهدته إعلاناً على تطبيق «إنستغرام» لحساب يعرض بيع خراف محلية بأسعار تبدأ من 700 درهم، إن الحساب كان يوثق تفاصيل العرض بفيديوهات وصور من مزرعة مجهزة، وإنه أرفق رخصة تجارية تحمل اسماً إماراتياً، وهو ما عزز شعوره بالثقة، خصوصاً مع استخدام لهجة محلية متقنة أثناء التواصل عبر «واتس أب».
وأوضح أنه حوّل مبلغ 45 ألف درهم للدخول في تجارة المواشي، لكنه لم يتلقّ أي تأكيد بعد ذلك.
وتابع أنه راسل الشخص الذي كان يتواصل معه لأيام عدة دون أي رد، على الرغم من أن الحساب كان لايزال يروّج للعروض بشكل يومي، ويحدّث حالاته على «واتس أب»، بل فوجئ لاحقاً بعرضه محادثته على الحالة، كأنه أحد المشترين الجدد، في محاولة منه للترويج لصدقيته أمام الآخرين، وهو ما أثار استغرابه وغضبه.
وأشار إلى أن المحتال حظره تماماً من التطبيق، قبل أن يختفي نهائياً، ويحذف الحساب من «إنستغرام»، كما تعذر الوصول إلى الرقم الذي كان يتواصل من خلاله.
وذكرت المواطنة سلامة محمد الكعبي أنها دفعت 10 آلاف درهم رغبة منها في زيادة عدد رؤوس الحلال لدى والدها، بعدما جذبها إعلان عبر «إنستغرام» يروّج لبيع خراف من نوع «جزيري» بأسعار مغرية.
وأضافت أن المعلن أرسل لها موقعاً على خرائط «غوغل» يظهر مزرعة في منطقة نائية، ووعدها بإرسال المواشي خلال يومين، إلا أنه تخلف عن الموعد، وحين تواصلت معه هاتفياً، رد برسالة عبر «واتس أب»، مفادها أن خدمة المكالمات غير متوافرة، وأن التواصل محصور بالتطبيق فقط، مدعياً أن الشحنة تأخرت بسبب كثرة الطلبات.
وتابعت أنها انتظرت أكثر من أسبوعين دون جدوى، فقررت التوجه إلى الموقع المرسل، لتكتشف أن المزرعة المزعومة ليست سوى أرض جرداء خالية من أي مظاهر للحياة أو النشاط.
وأدركت حينها أنها كانت ضحية لعملية احتيال إلكتروني مُحكمة.
ولم يتصور راشد الزعابي أن يكون ضحية للاحتيال الإلكتروني، بعد أن كان يستخف بالأشخاص الذين يُخدعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، معتقداً أن وعيهم وثقافتهم ضعيفان، قبل أن يجد نفسه في الموقف ذاته.
ويقول الزعابي، الذي ورث مهنة تربية المواشي عن والده وأجداده، ويملك عزبة تضم عشرات الرؤوس من الأغنام: «شاهدت إعلاناً على (تيك توك) لحساب يروج لبيع أغنام النعيمي بأسعار أقل من السوق، مع صور توحي بالصدقية، ورقم محلي لتأكيد الجدية».
وأضاف أنه تواصل مع الرقم فردّ عليه شخص يتحدث بلهجة إماراتية، ويملك معرفة دقيقة بأنواع المواشي المطلوبة محلياً، ولديه دراية واضحة بالفروق بين السلالات وأسعارها في السوق، ويتحدث بثقة لا توحي إطلاقاً بأنه غير صادق.
وتابع: «اخترت الخراف من خلال الصور المرسلة لي على (واتس أب)، وقال لي الشخص المحتال إنها جاهزة للنقل فور تحويل المبلغ، فسددت 14 ألف درهم، وبعدها اختفى كل شيء».
من جهته، أكد خبير ورئيس شركة البحر للاستشارات الاقتصادية، إبراهيم عبدالله البحر، لـ«الإمارات اليوم»، أن أساليب الاحتيال الإلكتروني المرتبطة ببيع المواشي أكثر تطوراً واحترافية، إذ يستغل المحتال العاطفة وقلة الخبرة، ويستخدم تسويقاً مغرياً، يعرض فيه منتجات بأسعار أقل بكثير من قيمتها السوقية، لافتاً إلى أن هذه الممارسات توقع حتى أصحاب الخبرة في فخاخ محكمة.
وقال البحر إن المحتالين يحترفون استغلال منصات التواصل الاجتماعي للترويج لحسابات تدعي بيع خراف وأبقار محلية بأسعار منخفضة، تحت ذريعة «التصفية»، ويشترطون التواصل حصراً عبر تطبيق «واتس أب» لتفادي الملاحقة القانونية، موضحاً أن هذه الحسابات تطلب من الضحايا تحويل المبالغ إلى حسابات بنكية محلية، ما يعزز ثقة البعض بها، ويجعل كشف الاحتيال أكثر صعوبة.
واستعرض البحر تجربة شخصية كاد يقع خلالها ضحية لإحدى هذه العمليات، بعدما صادف إعلاناً يروّج لبيع خروف «نعيمي» بسعر 600 درهم فقط، في حين أن سعره الحقيقي في السوق يراوح بين 1300 و1500 درهم، موضحاً أن الإعلان بدا احترافياً وجذاباً، ويتحدث عن وجود كميات كبيرة من الخراف، ما دفعه إلى التفكير في شراء 20 رأساً، قبل أن يكتشف لاحقاً أن العرض مجرد احتيال إلكتروني.
وأضاف أن المحتالين يطلبون تحويل المبالغ مسبقاً مقابل إرسال الموقع لتسليم الماشية، بينما في الواقع لا توجد مزرعة ولا شحنة، بل مجرد صور ورخص تجارية مزورة، وحسابات وهمية، مدعومة بمواقع مزيفة على «غوغل ماب»، تجعل الضحية يعتقد بوجود مشروع حقيقي.
وأشار البحر إلى أن المحتالين يعمدون إلى استخدام لهجة محلية في تواصلهم مع الضحايا، لتضليلهم وإقناعهم بأنهم أشخاص موثوق بهم، ويتبعون لمزارع داخل الدولة، مؤكداً أن تحويل المبالغ يتم إلى حسابات محلية، ما يُضفي على العملية طابعاً رسمياً، ويصعّب الشك فيها.
ويرى أن «التسويق في هذه العمليات يتفوق على وعي وثقافة كثير من الأفراد، خصوصاً أن من يقف وراء هذه الحسابات هم أشخاص محترفون»، موصياً بعدم الانجرار خلف العروض التي تقدم بأسلوب مقنع وبيانات محلية وتفاصيل دقيقة قد توهم بالثقة.
ودعا إلى زيارة الموقع قبل الشراء، أو التأكد من اعتماده رسمياً، محذراً من تحويل أي مبالغ مالية لأطراف مجهولة، ومؤكداً أهمية اللجوء إلى الجهات الأمنية والقانون فور الشك أو التعرض لعملية مشابهة.
كما أكد البحر أن القانون صارم في هذا النوع من الجرائم، لكنه يحتاج إلى تعاون الأفراد عبر الإبلاغ وعدم التهاون، مشدداً على ضرورة التحقق من صدقية الإعلانات الإلكترونية قبل التفاعل معها.
وقال: «تصديقك لأي إعلان مجهول على منصات التواصل، يسهل على المحتال تنفيذ مخطط الاحتيال، وعدم الإبلاغ عن المجرم يصعّب على الجهات المختصة ملاحقته».
وحذرت القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة، ممثلة في إدارة الإعلام والعلاقات العامة، من عمليات الاحتيال الإلكتروني التي تستهدف الباحثين عن عروض مغرية، من خلال طرح إعلانات ترويجية كاذبة، تشمل تذاكر السفر، والفعاليات الرياضية، والحفلات الجماهيرية، بأسعار منخفضة، هدفها الإيقاع بالضحايا.
ونبهت الشرطة أفراد المجتمع إلى أهمية الاعتماد على القنوات الرسمية ومنافذ البيع الموثوق بها فقط، وعدم الانسياق وراء العروض غير المنطقية، كما أوصت باستخدام وسائل دفع آمنة، تتيح استرجاع الأموال في حال وقوع أي مشكلة، وتجنب التحويلات البنكية أو الدفع النقدي الذي لا يضمن أي حماية قانونية في حال التعرض لاحتيال.
وشددت على ضرورة الحذر من الروابط المشبوهة، والرسائل النصية غير الموثوقة، مشيرة إلى أهمية استخدام التطبيقات الرسمية الخاصة بالفعاليات والخدمات لتفادي الوقوع ضحية، مؤكدة أن الجهود الأمنية مستمرة للتصدي لأساليب الاحتيال المتجددة، بالتوازي مع نشر الوعي المجتمعي.
من جهته، أكد المستشار في تقنية المعلومات والأمن السيبراني، عبدالنور سامي، أن إنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي أمر بالغ السهولة، ولا يتطلب من المحتالين سوى استخدام رقم هاتف مؤقت أو بريد إلكتروني مجاني، لافتاً إلى وجود تطبيقات ومواقع تتيح أرقاماً افتراضية، تُستخدم لمرة واحدة فقط، ما يتيح تفعيل الحسابات دون الحاجة لإثبات هوية حقيقية.
وبيّن أن بعض الحسابات الاحتيالية يدار باحترافية عالية، ويعتمد على محتوى مزيف بتصاميم جذابة وتعليقات وهمية توحي بالتفاعل والصدقية، ما يصعّب على المستخدم العادي التحقق من صحتها.
وأضاف: «يجب ألا نخدع بالحساب لمجرد كونه موثقاً، لأن التوثيق خدمة تشترى وليس سمعة تكتسب، وبالتالي لا يعد معياراً لنزاهة البائع»، مشدداً على أهمية الاعتماد على التطبيقات المعتمدة داخل الدولة، أو زيارة السوق المحلية، لتفادي الوقوع ضحية الاحتيال.
كما دعا أفراد المجتمع إلى عدم التعامل مع الحسابات المجهولة أو غير الموثقة، والتثبت من الأنشطة التجارية التي يتم الإعلان عنها عبر المنصات الرقمية، مشدداً على ضرورة الإبلاغ الفوري عن أي حساب مشبوه، لحماية الآخرين، ومنع تكرار حالات الاحتيال.
. محتال يستخدم رسائل ضحاياه في الترويج لتجارته المزيفة.
. إعلان يروج لبيع أغنام بأسعار أقل من السوق.. مرفق رقم إماراتي يستخدمه شخص يتحدث بلهجة محلية.
. تاجر وهمي يستخدم خرائط «غوغل» لتحديد موقع مزرعته.
. ضحية احتيال يشتري صوراً للخراف على «واتس أب».. مقابل 14 ألف درهم.