من بوابة توظيف عناصر التراث والثقافة المحلية، ومهارات الأمهات والجدات، تسعى الإماراتية، هنادي بدو، إلى إعادة الاعتبار لعالم طفولي غامر بالسحر والخيال والأحلام الصغيرة، حيث بدأ مع مرور الوقت وتطور الحياة يفقد بريقه، في عصر طغت شاشات الهواتف النقالة والألواح الذكية ووسائل التواصل.

تتسلح هنادي في هذا التوق الكبير لإحياء الماضي، بالتعلم والبحث والمعرفة، وبما تبقى من ملامح ذاكرة طفولتها، إذ تنسج بخيوط الحنين دمى عابقة بالتفاصيل والدلالات التاريخية وروح الأمكنة الخالدة في الوجدان.

ولأن الحفاظ على التراث، مسؤولية يجب أن يحملها الجيل الجديد، قررت هنادي بدو، خوض غمار هذه التجربة الإبداعية المتفردة، للمشاركة في إحياء التقاليد الإماراتية بصورة نابضة لدى أبناء اليوم، والتعريف بمقومات التراث والأصالة والمهن المحلية، وحتى أنماط الحياة القديمة.

وقالت هنادي لـ«الإمارات اليوم»: «أتمثّل دائماً في خوض غمار هذه التجربة الفنية الجديدة في مجال التراث، بمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: (من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله)، فمن الماضي نتعلم ونكتسب الخبرة ونستفيد من الدروس والنتائج»، مشيرة إلى قيمة هذه المقولة في إلهامها ودفعها نحو استثمار بعض عناصر الذاكرة الجمعية في أعمال حرفية تحث الأجيال على التشبث بماضيها والاعتزاز بموروثها.

قصة شغف

وحول بدايات تعلقها بعالم الدمى التراثية، أوضحت هنادي أنها تعود إلى أيام طفولتها وإلى ذكريات والدتها وجدتها في صناعة دمية صغيرة من بقايا القماش التي كانت تخاط بها أغلب الملابس الإماراتية التقليدية في عقود ماضية.

وأضافت: «اهتممت بهذه التفاصيل الدقيقة التي كانت تميّز كل منزل إماراتي في تلك الفترة، إذ كانت الجدة والأم مسؤولتين عن صنع الملابس المنزلية وملابس العيد، فيما كان يتم إعادة تدوير الأقمشة الزائدة عن الحاجة، في صنع دمى فريدة ومبهجة، مزدانة بالتفاصيل التراثية الغنية من (التلي) و(المخور)، والسراويل والأثواب وغيرها من الملابس التقليدية».

قرار شجاع

وعلى الرغم من دراستها فنون التصميم والغرافيك، وعملها 10 أعوام في هذا المجال، فإن هنادي قررت الاستقالة من عملها الحكومي والتفرغ بشكل كلي لهوايتها الأهم في صناعة الدمى التراثية، مستذكرة محاولات مديرها في العمل إقناعها بالبقاء، لكنها اتخذت ما اعتبرته اليوم «قراراً شجاعاً» بالتوجه نحو شغفها الأكبر.

وتابعت: «عمدت على امتداد خمسة أعوام على التعلم الذاتي والاستفادة من الخبرات والدورات المتوافرة على الفضاءات والقنوات الرقمية، فيما استفدت كثيراً من موهبتي في مجال الرسم ومن خبرتي السابقة في اختيار الأقمشة ومختلف المواد التي تمكنني من تقديم هذه النوعية من الدمى بجودة تسترعي الاهتمام».

ذكرى الأولين

وفي ما يتعلق بأنواع الدمى التراثية التي تجيد صناعتها وتقديمها للجيل الجديد، أشارت هنادي إلى إصرارها على تقديم إبداعاتها بنسيج يدوي تقليدي يعكس ألق الحِرف الأصيلة وجمالية الأزياء الإماراتية التقليدية، مثل المخور والشيلة والسروال والبرقع، بألوان زاهية وتصميمات جميلة، مع حرصها من ناحية أخرى، على اختيار أقمشة تقليدية تعكس تراث الإمارات مثل (بوتيله، وبوطيرة، وبوقليم) وتقديمها في تصاميم عرائسها، وكذلك لملابس العرسان التقليدية من «البشت» وكذلك الحمدانية التي تجد رواجاً كبيراً بين فئات الإماراتيين في جميع المناسبات والفعاليات الوطنية.

وأكملت: «كما أحرص في تصاميمي على اختيار أسماء إماراتية قديمة متجذرة في الثقافة الشعبية، مثل شيخة واليازية وحصة وعشبة، والأسماء الرجالية مثل: عبدالله، وعبدالعزيز، وغيرهما من الأسماء التي تتمتع بصدى طيب لدى فئات واسعة من الجمهور الإماراتي، والتي صممتها بمختلف الأحجام لتناسب احتياجات الزبائن».

تجربة جديدة

بعد نجاحها في صناعة الدمى التراثية الإماراتية، قررت هنادي خوض غمار تجربة جديدة، تتمثّل في صناعة الحقائب التراثية المطرزة على طريقة الملابس التراثية نفسها، وبأحجام متنوعة تناسب مختلف الاحتياجات، واصفة هذه التجربة قائلة: «بادرت بتصميم الحقائب التراثية، بتضمين فن التلي، وكذلك ملامح البرقع والشيلة، وتحمست بعد النجاح الذي لاقته هذه الطريقة المبتكرة، وبالإقبال الكبير الذي وجدته أثناء مشاركتي في عدد من الفعاليات والمهرجانات في أماكن مختلفة في الدولة»، مؤكدة تمسكها بأهدافها في نشر التراث الإماراتي الأصيل، وترسيخه في نفوس الأجيال، وصولاً إلى نجاح مشروع الدمى التراثية، في تجاوز حدود المحلية إلى العالمية.

مسرح

وفي سياق بحثها عن التجارب الفريدة التي تبث البهجة في قلوب الأجيال الصغيرة، قدمت هنادي بدو، أثناء محاولاتها لنشر رؤيتها الإبداعية، وتجوالها بين مختلف الفعاليات في الإمارات، تجربة جديدة تحاكي فكرة مسرح العرائس نفسها، وإن كان ضمن إمكانات فردية محدودة، من خلال تنفيذ وتقديم سلسلة من شخصيات «عرائس القفاز» التي يتم تحريكها باليد.

وشرحت: «صممت عدداً من هذه الدمى التراثية التي زينتها برسوم مستوحاة من الكندورة الإماراتية، وضمنتها مجموعة من (التحايا) المحلية الشعبية، لأقدمها وسط لوحة من التصاميم الفريدة والتحف التراثية مثل (المهفة) أو مروحة القيظ الإماراتية والمكحلة وقدر الهريس ومجموعة حصرية من الأدوات التراثية الأخرى التي شكلت مجتمعة مسرحاً تراثياً نجح في جذب اهتمام ومتابعة أطفال الفريج وحضور إحدى الفعاليات آنذاك»، مشيدة في هذا الإطار، ورغم محدودية الإمكانات، بالدعم المعنوي الكبير الذي تتلقاه باستمرار من جهات عدة.


مشاركات متنوعة

توقفت صانعة الدمى التراثية الإماراتية، هنادي بدو، عند مشاركاتها الداخلية والخارجية المتميّزة، وانطلاق علامتها «إتش إتش بي إماراتي دولز» إلى العاصمة الروسية موسكو، العام الماضي، خلال فعاليات «أيام الإمارات الثقافية»، وكذلك مشاركتها مع هيئة تنمية المجتمع، في فعاليات اليوم السعودي الإماراتي التي نُظّمت في الرياض، ومهرجان التراث البحري في أبوظبي، وفعاليات مهرجان قصر الحصن، وليالي الشارقة التراثية، وغيرها من الفعاليات التراثية، التي تحاول من خلالها هنادي نشر تجربتها ورؤيتها المعتزة بتراث وطنها.


هنادي بدو:

. في مجال التراث، أتمثّل دائماً مقولة الشيخ زايد: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله».

. استفدت من موهبتي في الرسم وخبرتي في اختيار الأقمشة في تقديم هذه النوعية من الدمى بجودة عالية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version