في عالم يزدحم بالأسماء اللامعة والعلامات العالمية البارزة، يبرز صانع المجوهرات الإماراتي، عدي الفردان، ليروي قصة نجاح إماراتية بامتياز، صاغتها مبكراً، وبعناية فائقة، موهبته، وصقلها شغفه وانتماؤه لبيت دأب على تثمين جوهر القيمة قبل بريق الأحجار، ليسير بخطوات ثابتة، انطلق فيها من ورشة صغيرة وصندوق متنقل، ليتمسك بعزيمة وتصميم على تقديم قطع لا تُشترى فحسب، بل تُورّث لأجيال وأجيال.
من مصنع والده، حيث قضى عطلات نهاية الأسبوع، بدأ عدي الفردان في مراقبة تقنيات صناعة المجوهرات وتصاميم الأحجار الكريمة وقطع الذهب المتنوعة، بعد أن اختار دراسة المالية، إدراكاً منه لأهمية فهم الأسواق، لكن المجوهرات بقيت شغفه الأول.
وقال عدي الفردان لـ«الإمارات اليوم»: «كنت في الجامعة صباحاً، وفي المصنع ظهراً، وفي محال والدي عصراً، وفي كل محطة كنت أتعلم شيئاً جديداً، وأتقن مهارة مغايرة، ثم سافرت إلى فرنسا، لأتعلم فن التعامل مع القطع النادرة، وإلى نيويورك لاختيار الأحجار، كما أمضيت شهوراً عدة في هونغ كونغ، لإتقان الصبر والدقة من أهم وأبرز الصاغة المخضرمين في المجال».
مرحلة جديدة
أسس عدي الفردان شركته الخاصة والمستقلة، مراهناً على الابتكار، ورافعاً سقف طموحاته بالريادة، مضيفاً: «لم يمانع الوالد باستثمار تجربتي في عمل مستقل، مؤكداً لي أن الاشتغال في مجال المجوهرات يحتاج إلى (الشجاعة)، وأن الصائغ الجيد والمتقن يعمل بيده على قطعة واحدة، يعيد صياغتها ثلاث وأربع مرات حتى تصبح قطعة جميلة، تُورّث للأجيال القادمة».
وتابع: «بدأت من ورشة صغيرة وطموح كبير، فيما اعتمدت على أصدقائي وزبائني القدامى، الذين كنت أزورهم في البيوت، وأقدّم لهم تشكيلات المجوهرات التي أصممها بنفسي».
نصيحة غالية
واستذكر عدي الفردان بداياته مع «الترانك»، أو «الصندوق المتنقل»: «كنا نملؤه بقطع المجوهرات، ونتنقل من منزل إلى آخر وكنت أحياناً كثيرة، أغلق الصندوق من دون أن أتمكن من بيع أي قطعة، فيما أنجح أحياناً أخرى في كسب ثقة عميل واحد، وكنت أتعلم من كل تجربة وأزداد إصراراً بعد كل رفض، لتطوير نفسي، وتعديل أساليبي والارتقاء بتجربتي، وفيما كنت أصاب بالإحباط، كنت أستذكر نصيحة الوالدة: (لا عليك.. أكمل مشوارك ودربك)، وهذا ما فعلته».
علاقة إنسانية
وعن عوالم القطع الفريدة، أكد عدي الفردان أن صناعة المجوهرات ليست مجرد تجارة، بل علاقة إنسانية «فكل قطعة تحمل شعوراً وذكرى، لذا لا أبدأ حديثي بكشف سعر القطعة، بل بسرد القصة، لأن المرأة التي تطلب قطعة نادرة، تطلب حلماً، لذا يجب أن أستمع إليها، وأحاول أن أترجم مشاعرها وأفكارها في تصميم فريد وخاص بها، تشعر عند ارتدائه، أنه قريب لقلبها»، معترفاً في الوقت نفسه بأن إرث الأسرة العريق في المجال، فتح له بعض الأبواب الموصدة: «لا شك أن اسم العائلة يعطيك دفعة قيّمة في البداية، لكن عملك واجتهادك هو ما يؤهلك إلى استكمال المسيرة والنجاح، وهذه وصية الوالد، رحمه الله، الذي دعانا إلى أن نحافظ على اسم العائلة بجهدنا وصدقنا».
حِرفية وابتكار
ورأى عدي الفردان أن نجاحه اليوم يعود إلى الجمع بين الحِرفية القديمة والابتكار الحديث، مشيراً إلى أنه يدمج في قطعه بين المجوهرات الكلاسيكية والتصاميم الحديثة باستخدام أحجار طبيعية، فيما يعمل على مجوهرات تناسب جميع الأعمار والأذواق المعاصرة، مع الحرص على أن تكون مهيأة للتوارث عبر الأجيال.
واستطرد: «الأحجار الطبيعية والصياغة باليد والتصميم الخاص، كلها عناصر أساسية في تجربتي، لأن اختيار الحجر الصحيح هو نقطة البداية، يليها الاشتغال على التصميم والصياغة، فالقطعة التي تشتريها المرأة يجب أن تشعر أنها جزء منها، قريبة إلى الروح، وهذه ليست عملية سريعة، وقد تأخذ شهوراً أحياناً، نمضيها في البحث عن الحجر الكريم المناسب لكل قطعة».
وحول فكرة «العرض الخاص في البوتيك» التي تنبع من رغبته في تقديم تجربة حصرية للباحثين عن الفرادة، قال عدي الفردان: «نستقبل زبائننا بالمواعيد فقط، وقد يتطلب الموعد الواحد بين ساعتين وست ساعات نمنحهم الوقت، نتناقش ونجرب حتى نصل إلى القطعة التي تعبّر عنهم، فالمجوهرات ليست عملاً سريعاً، بل هي فن وصبر وإتقان».
أبرز القطع
وعن أبرز الأعمال والقطع الفنية التي يفتخر بها، أكد عدي الفردان: «أعمل بالألماس والياقوت الأحمر والزمرد والزفير واللؤلؤ الطبيعي فقط، لتقديم القطع النفيسة ليس في ثمنها فحسب، بل في رمزيتها ومعناها، وأعتز بعقد الطاووس الذي استغرقت صناعته ثلاث سنوات، وطقم (دمج النوادر) الذي استخدمت فيه أحجاراً نادرة من البرتقالي والوردي والأخضر والأزرق، تزن أكثر من 200 قيراط، ففي كل حجر قصة، وفي كل لون معادلة حرصت من خلالها على جمع الأحجار الكريمة حول العالم، واستغرق العمل عليها أربع سنوات، فيما تصل قيمتها اليوم إلى ما يزيد على 18 مليوناً و800 ألف درهم».
خاتم سارة
في عالم يتقاطع فيه بريق الجمال بعمق المشاعر، لفت عدي الفردان إلى أن القطع التي يصوغها ليست مجرد زينة، بل رسائل إنسانية معبرة وذات أثر خالد في الذاكرة والتاريخ الذاتي والجمعي (العائلي)، مضيفاً: «حين تهدي الأم أو الأب ابنتهما قطعة خاصة وفريدة، وأرى دموع فرحها، أعلم أنني أنجزت شيئاً عظيماً.
واستذكر محطة مهمة في مسيرته، يوم صمم خاتم خطوبة من ثلاثة أحجار، مستوحى من بيت شعر للأمير بدر بن عبدالمحسن، لفتاة اسمها (سارة)، الذي سرعان ما اكتسح مشهد المجوهرات، ليتحول إلى أيقونة فريدة للمُقدِمات على الزواج.
لا أنافس.. إلا نفسي
أكد صانع المجوهرات الإماراتي، عدي الفردان، سعيه المستدام إلى تطوير تجربته في صناعة المجوهرات الثمينة والفريدة، والارتقاء نحو الريادة من دون الدخول في سباق محموم من المنافسة مع الآخرين، وقال: «أحاول كل يوم ابتكار القطعة الأجمل، وتطوير نفسي وتجربة أحجار وأساليب جديدة، وتكريس حس الرقي والحداثة في كل تصميم وكل مرحلة، ولا أنافس في هذا المجال أحداً غير نفسي، لأن المنافسة الحقيقية، برأيي، تكمن في المشوار الثابت كل يوم نحو الأفضل».
عدي الفردان:
. حينما كنت أصاب بالإحباط، كنت أستذكر نصيحة الوالدة: «لا عليك.. أكمل مشوارك ودربك»، وهذا ما فعلته.
. اسم العائلة يعطيك دفعة قيّمة في البداية، لكن اجتهادك هو ما يؤهلك إلى استكمال المسيرة والنجاح.
. بدأت من ورشة صغيرة، وكنت أزور زبائني القدامى في بيوتهم، مقدماً لهم مجوهرات أصممها بنفسي.
. 18 مليوناً و800 ألف درهم، سعر إحدى القطع النادرة التي يعتز بها عدي الفردان.