أفنى السعودي الثمانيني خلف الله الطلحي أكثر من نصف حياته في زراعة الورود وتقطيرها لصناعة العطور في بلدته الطائف في غرب المملكة، لينتج حالياً أكثر من 60 عطراً مختلفاً.

وتُعرف الطائف باسم «مدينة الورود»، إذ ينبت فيها ما يقرب من 300 مليون زهرة كل عام في أكثر من 800 مزرعة يفتح كثير منها أبوابه للزوار في المدينة الجبلية القريبة من مكة.

ويقول الطلحي الذي يعمل في القطاع منذ أكثر من 45 عاماً: «أنا أحب الورد وأحافظ عليها كما أحافظ على أولادي، لأن هذه الشجرة إن ماتت، صعب تعويضها في يوم أو اثنين أو سنة أو سنتين».

ويضيف الرجل الذي ارتدى ثوباً أبيض اللون واعتمر الشماغ الأحمر في مزرعته المترامية الأطراف: «نحن من يوم مولدنا في المزارع ونمارس الزراعة وقبل 46 عاماً بدأنا زراعة الورود».

وعندما يحل موسم الربيع من كل عام، تتفتح الورود في المدينة ذات المناخ المعتدل، لتتحوّل المناظر الطبيعية الصحراوية الشاسعة إلى لوحة وردية زاهية.

وفي أبريل، تُقطف الورود من أجل استخراج الزيت المستخدم في تطهير الجدران الخارجية للكعبة المشرّفة في مدينة مكة المكرمة، على مقربة من الطائف.

ويتابع الرجل إنّه اليوم ينتج «في حدود خمسة إلى ستة ملايين وردة بالسنة». وطوّر مع أسرته زراعتهم لصناعة مربحة في مجال العطور تنتج أكثر من 60 عطراً مختلفاً، مؤكداً أن «دهن الورد الطائفي مميّز عن جميع أنواع الورد في العالم. أنا زرت تركيا والمغرب، وجدت فيهما ورداً شبيهاً بهذا الورد. نفس الشجرة، نفس الورقة، نفس الزهرة، إنما الرائحة تختلف اختلافاً كلياً عن الورد الطائفي».

ورغم إنتاجه الغزير، لا يصدّر الطلحي وروده خارج السعودية. ويشرح: «الورد الطائفي كمياته بسيطة. لذا يصدّر كمية قليلة، لأنه لا يكفي حاجة البلد. عندنا في السعودية عشاق للورد ولعطر الورد. إنه ورد ملكي، هو عطر الملوك».

وبحسب قاعدة البيانات الاقتصادية «تريند إيكونومي»  صدّرت السعودية في 2023 ما قيمته 141 مليون دولار من منتجات العطور، بما في ذلك ماء الورد.

ويرعى العاملون في مزرعة الطلحي شجيرات الورد ويقطفون عشرات الآلاف من الزهور كل يوم لإنتاج ماء الورد والزيت، المكونين الثمينين الخاصين بصناعات التجميل وكذلك الطهي.

وبينما يقوم عمال بقطف الأزهار في الحقول، يعمل آخرون على ملء السلال يدوياً، ثم تغلى الزهور وتُقطّر.

وتغلى الورود على نار عالية حتى تتبخّر تقريباً، لمدّة 30 إلى 35 دقيقة، قبل أنّ تبدأ عملية التقطير التي تستمر ثماني ساعات تقريباً.

وبمجرّد أن يطفو الزيت إلى أعلى الأحواض الزجاجية، تبدأ عملية الاستخراج.

ويُستخرج الزيت بحقنة كبيرة لملء قوارير مختلفة الأحجام، ويبلغ سعر أصغرها 350 ريالاً (نحو 93 دولاراً).

ويكمل الطلحي وهو يتابع عملية التقطير: «الورد جزء من حياتي». لكن شغفه الشديد بالحفاظ على الورود بات يواجه ظواهر مرتبطة بالتغير المناخي مثل الحرارة العالية والبرد القارس أو الأمطار الغزيرة.

وأصدر علماء المناخ تحذيرات منتظمة بأن كل جزء من الدرجة من الاحتباس الحراري يزيد من شدة وتواتر الأحداث الجوية المتطرفة.

وأفاد تقرير صادر عن المجلس الأطلسي أن «تغيّر المناخ يُسرّع تدهور التربة من خلال عمليات مثل التملّح والتآكل والتصحّر، ما يُضعف جودة وإنتاجية الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة العربية السعودية».

وتوقّع المجلس انخفاض إنتاج القمح بنسبة تتراوح بين 20% و30% بحلول عام 2050 في المملكة الخليجية، بسبب الإجهاد الحراري ونقص مياه الري. كما توقّع انخفاض إنتاج أشجار النخيل والمحاصيل الأساسية الأخرى. وهو ما بدت أثاره تظهر على الصحراء المحيطة بالطائف بالفعل، بحسب الطلحي الذي يقول بقلق: «العام الماضي والذي قبله كان برد شديد. هناك مزارع لم تُقطف منها زهرة واحدة».

ويتابع: «خلال سنتين ضرب البرد الورد وقلّ إنتاجه تماماً. العوامل الجوية تحدث ولكن هذه السنة العوامل الجوية خفيفة جداً.. ومع زيادة الطلب، بعنا كل إنتاج مزارعنا».

ورغم تقدّمه في السن، يعمل الطلحي في مزرعته ووسط عمّاله طوال اليوم منذ الفجر وحتى التاسعة مساء خصوصاً في موسم الورد بين منتصف مارس ونهاية أبريل.

ويختتم: «أعتبر المزرعة هنا هي الروح أو العرق النابض بجسمي.. إن شاء الله ما يفرق بيني وبينها إلا الموت».

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version