تشارك نساء ريفيّات بجنوب المغرب في إنجاز لوحات تشكيلية من خلال التطريز على القماش، في مشروع فني فريد من نوعه يسعى إلى الارتقاء بأوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية، أطلقته الفنانة المغربية الفرنسية مارغو درعي.

ويحتضن بيت متواضع في قرية سيدي الرباط الساحلية على بعد 70 كيلومتراً جنوب مدينة أغادير، هذه الورشة الفنية التي تنهمك فيها 10 نساء في تحويل أقمشة مثبتة على طاولة تطريز، إلى لوحات فنية مستوحاة من صور فوتوغرافية قديمة لعائلة مارغو درعي التي غادرت المغرب في ستينات القرن الماضي.

وفي نهاية عام 2022 قررت مارغو البالغة 39 عاماً، العودة إلى مسقط رأس والدها لتحقيق «حلم مشروع فني يكون ذا فائدة»، من خلال استقطاب نساء متواضعات الحال من هذه القرية التي تقيم فيها نحو 400 نسمة، للعمل في إنجاز لوحات مطرزة.

وفي إحدى الغرف تعمل أربع نساء بتأنٍ كبير، على وضع اللمسات الأخيرة على لوحة من الحجم الكبير، تحاكي صورة من عشرينات القرن الماضي، التُقطت في مدينة الصويرة السياحية على ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلسي.

ومن بين هؤلاء، حنان إشبيكلي البالغة 28 عاماً التي تؤكد مبتهجة: «لقد غيّـر هذا المشروع حياتي، على الرغم من أنني لم أستخدم إبرة التطريز من قبل»، إذ إنها كانت تدرس مهنة التمريض قبل أن تصادف مارغو درعي، وتتولى الشابة أيضاً إدارة المشروع الفنية.

إسهام بسيط

وتؤكد درعي أن العاملات في هذا المشروع يتلقين رواتب شهرية «تفوق الحد الأدنى للأجر في المغرب» البالغ نحو 330 دولاراً.

وفي البداية، لم تكن فكرة العمل في مشروع فني بديهية بالنسبة لهؤلاء النساء اللواتي كان «بعضهن يأتي إلى الورشة خفية، لأن السائد أن المرأة يجب أن تظل في البيت، لكننا استطعنا تغيير هذه الأفكار»، وفق ما تقول المسؤولة عن الورشة، خديجة أحويلات البالغة 26 عاماً.

وتضيف متحمسة: «أنا فخورة جداً بإسهامي في تغيير هذا الأمر، ولو أنه إسهام بسيط»، وقد فضلتْ العودة للاستقرار في قرية سيدي الرباط للعمل في هذا المشروع، بعدما تركتها في وقت سابق لمتابعة دراستها الجامعية.

وبعد بضع سنوات على انطلاق المشروع صار نظام العمل مضبوطاً بدقة، ويبدأ بوضع تصميم للوحة من طرف مارغو قبل أن يجتمع الفريق لاختيار الغرز والخيوط والألوان المناسبة لكل جزء من اللوحة.

وقد يحتاج إنجاز اللوحة إلى خمسة أشهر إذا كانت من الحجم الكبير.

وعرضت هذه اللوحات المطرزة التي تباع بنحو 5000 يورو، في مراكش وباريس وبروكسل، فيما يجري التحضير حالياً لمعرضين في الدار البيضاء ودبي.

نعمة لمساعدة عائلتي

وانضمت عائشة جوط والدة خديجة، وهي أرملة تبلغ 50 عاماً، إلى الفريق بعدما كانت تعمل في التقاط بلح البحر على شاطئ القرية، وتربية الماشية لإعالة أسرتها.

وتعبّـر عن سعادتها بالمشاركة في المشروع قائلة: «أشعر بأنني مرتاحة منذ بدأت العمل هنا، أحب كثيراً تطريز اللوحات الفنية، وأيضاً نقل معارفي لنساء أخريات».

وقد تعلمت التطريز وهي حرفة تقليدية منتشرة في المغرب، في سن الثانية عشرة. وقد أشرفت على تلقين تقنيات التطريز المختلفة لبقية أفراد الفريق المكوّن أساساً من نساء عازبات وأرامل.

ومن بين هؤلاء، تقول حدية نشيط (59 عاماً): «لا توجد الكثير من فرص العمل هنا، لذلك لم أتردّد عندما أتيحت لي هذه الفرصة».

أما زميلتها فاطمة لشقر (59 عاماً) فتقول: «لم أتردد بمجرد أن أتيحت لي فرصة تعلم التطريز مجدداً، بعد توقف لأكثر من 20 عاماً»، معتبرة هذه الفرصة بمثابة «نعمة تتيح لي مساعدة عائلتي».

. اللوحات المطرّزة تباع بنحو 5000 يورو، وعُرضت في مراكش وباريس وبروكسل، وتستعد لمعرضين في الدار البيضاء ودبي.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.