وسط أصداء الموج وصوت المجاديف القديمة، وفي أروقة «بيت النوخذة» بمهرجان الظفرة البحري، يقف خبير التراث البحري،

جمعة بن حبثور الرميثي، شاهداً على إرث الأجداد، ينقل للزوار روح البحر التي سكنت قلوب الغواصين والنواخذة لعقود طويلة، إنه ليس مجرد عارض للتراث، بل مؤرخ شفوي، وحارس لذاكرة بحرية تحملها معه أينما حلّ، يستعرض أمام الزوار تاريخ الغوص وصيد اللؤلؤ، وحياة البحّارة الذين قضوا شهوراً بين الأمواج، متحدّين البحر بحثاً عن الرزق والنجاة.

يحمل جمعة بن حبثور في ذاكرته قصص الغواصين الذين غابوا شهوراً بين أمواج الخليج في رحلات الغوص التي كانت تمتد من أربعة إلى 10 أشهر، لم تكن مجرد رحلة للبحث عن اللؤلؤ، بل كانت معركة مع البحر، كان فيها الغواص ينزل إلى الأعماق ممسكاً بحبل الحياة، بينما يراقبه «السيب» من الأعلى، متربصاً بأي إشارة خطر.

وعندما يعودون إلى ديارهم سالمين كانت الأفراح تعمّ «الفرجان»، ويُقرع الطبل في الساحات، وتُضاء المصابيح، فعودة الغواصين كانت فرحة تعادل عودة الجنود من ميادين القتال.

ما يعرضه جمعة بن حبثور في مهرجان الظفرة ما هو إلا جزء من كنز بحري أوسع يحمله معه أينما ذهب، فمنذ أن كان في سن الـ23، بدأ يجمع الخرائط، والعملات القديمة، والطوابع البريدية، وقطع المحامل، والأدوات البحرية، ليؤسس متحفاً متحركاً يجوب به المهرجانات والفعاليات الثقافية، حفاظاً على تراث الأجداد من النسيان.

لا يكتفي الرميثي بالعرض، بل يقدم تجربة تفاعلية تعيد للزوار صخب البحر، ورائحة الأخشاب المالحة، وحكايات الغواصين التي يرويها بحب واعتزاز، يقول: «نحن لا نعرض مقتنيات، بل نروي قصة.. قصة شعب كان البحر حياته، وكان اللؤلؤ أمله، وكان النوخذة قائداً لسفينة المصير».

يسعى جمعة بن حبثور الرميثي، من خلال مشاركته في مهرجان الظفرة البحري، إلى ربط الأجيال الحديثة بجذورهم، وتعريفهم بتضحيات أجدادهم، الذين صنعوا مجد الإمارات بعرقهم وصبرهم على أمواج البحر.

ويقف «بيت النوخذة» في المهرجان كجزء من سفينة الزمن، تحمل أسرار البحر وغواصيه، حيث يعرض الرميثي مقتنيات نادرة تجسد تفاصيل الحياة البحرية القديمة، ومنها اللؤلؤ درّة البحار التي صنعت مجد الإمارات في زمن الغوص، حين كان النوخذة والغواصون يهبطون إلى الأعماق بأرواحهم قبل أجسادهم، متسلحين بالإيمان والصبر، والأصداف الأشبه بالتحف الطبيعية تحتضن قصص البحّارة، وذكريات أعماق الخليج العربي التي شهدت ولادة هذا التراث وأدوات الصيد كالشباك المنسوجة بأيدي صيادين مهرة، وسلال صنعت لتحفظ الرزق الذي يجود به البحر والقراقير التي كانت تصنع من سعف النخيل، والفخاخ التي تحمل بصمة الأجداد في ابتكار وسائل صيد تتناسب مع طبيعة البيئة البحرية، إلى جانب المجسمات التراثية لمراكب شقت البحر بعزيمة، مثل «السنبوك» و«البوم»، التي لم تكن مجرد وسيلة نقل، بل كانت رمزاً للتجارة والمغامرة والبقاء.

في بيت النوخذة لا يكون الزائر مجرد مشاهد بل يصبح جزءاً من القصة، يتنفس عبق الماضي، ويعيش لحظات من حياة النوخذة والغواص في رحلة عبر الزمن لا تنتهي إلا وقد حمل في قلبه شيئاً من هذا الإرث العظيم.

جمعة الرميثي:

. لا نعرض مقتنيات، بل نروي قصة شعب كان البحر حياته، وكان اللؤلؤ أمله.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version