تحت عنوان «اتجاهات (تمازج)»، قدم الفنان الإماراتي محمد كاظم عملاً تركيبياً في النسخة 19 من «آرت دبي» الذي يختتم غداً، والذي يضع من خلاله إحداثيات دبي في مركز المساحة، فيما تتوزع إحداثيات من العالم على الشاشات، ما يدعو الزوار للتفاعل، ليصبحوا جزءاً من مشهد يمثل المدينة وعالمية المعرض في آنٍ واحد. تحيط بالمشاهد ثلاثة جدران مرصوفة بإحداثيات ثابتة تمتد عبر الشاشات، تتداخل مع مشهد الأمواج المتحركة، ما يعزز إحساس التقارب والتدفق اللامحدود.
ويعكس العمل وهو من تكليف جوليوس باير، التبادل السلس للموارد والسيولة الطبيعية وترابط الشواطئ البعيدة في محاكاة لمسيرة دبي نحو المستقبل ودورها كمحور عالمي للمجتمعات. ويأتي هذا التكليف في إطار موضوع «مدن المستقبل» الذي تتبناه جوليوس باير، مستكشفاً الإمكانات الهائلة لنمو المدن باعتبارها محركات للاقتصاد العالمي.
وعن هذا العمل قال الفنان محمد كاظم، لـ«الإمارات اليوم»: «العنوان الرئيس لهذه السلسلة التي بدأت بها في العام 1999 هو اتجاهات، ولكن دائماً هناك عنوان فرعي في كل عمل، وقد تم إنتاج العمل في العام 2022 ولكن كفيديو في منطقة الحمرية وكان مختلفاً، وهذا العمل يمثل محاولة تفاعل مع حالة المعرض العالمي الذي يستقطب مجموعة كبيرة من الفنانين من مختلف أنحاء العالم». وأضاف: «تستخدم في المعرض الإحداثيات الجغرافية على الشاشة وهي إحداثيات عالمية، فضلاً عن الإحداثيات الخاصة بمكان عرض العمل، إلى جانب الاهتمام بالإضاءة وحرارة الغرفة».
وحول تفاصيل العمل، أشار كاظم إلى أنه عبارة عن فيديو من أربع دقائق، يحمل كل الإحداثيات الجغرافية في كل عواصم العالم، وعبر الشاشة يمكن مشاهدة حركة موج البحر تتمازج مع الأرقام، موضحاً أنه بالنظر إلى حركة مياه البحر، وأننا ننظر لها دون أن نعرف مصدرها، فهي تتنقل من أمكنة مغايرة وتتمازج مع بعضها بعضاً، وعندما تمتزج مع الأرقام، سيصعب معرفة انتماء الأرقام إلى أي دولة. وشدد على أن الموج لا يستقر ولا يمكن معرفة مصدره، فهو كالهواء والرمال يعبر الحدود بحرية تامة، مبيناً أنه استخدم مياه البحر في أشكال عدة، وقد استخدم الشاشة في هذا العمل، مثنياً على الجهة المكلفة للعمل والتي وفرت كل متطلبات إنجازه.
أما لجهة تنفيذ العمل، فلفت كاظم إلى انه لجأ إلى فنان حركة ليعاونه على إنجاز العمل، مبيناً أنه غالباً ما يتعاون مع الحرفيين من أجل إنجاز أعماله التي تتطلب تقنيات متعددة، وذلك بعد أن يضع الفكرة الرئيسة للعمل. وترتفع الشاشات التي يتحرك عليها العمل إلى ما يزيد عن ثلاثة أمتار. ونوه كاظم إلى أنه درس الانعكاسات الخاصة بالعمل، لأن الغرفة تحتوي على المرايا، وبالتالي حركة الأمواج ستنعكس على نحو معاكس لحركتها الحقيقية، فضلاً عن دراسته حرارة الغرفة والأرضية، والتي بمجملها تشكل تفاصيل مهمة في شكل العمل.
وتتطلب الأعمال التكليفية الضخمة الإمكانات المادية الكبيرة لإنتاجها. وأشار كاظم إلى انه دائماً يحضر الكثير من المخطوطات الصغيرة أو حتى الرسومات لأعمال ضخمة، والتي بطبيعتها تكون صعبة الإنجاز دون وجود جهة مؤسسية داعمة لتمويل إنتاجها. وشدد على أن هذه الأعمال لا يمكن رؤيتها كلوحة تقليدية، بل يجب التفاعل معها جسدياً، ودراسة الفراغ والمساحة، ودرجة الضوء، مبيناً أن هذه النوعية من الأعمال تتطلب زيارة واقعية للمكان قبل التنفيذ من أجل تقديم المخطوطات.
وأثنى كاظم على معرض «آرت دبي»، نظراً لما يحمله من أهمية تنبع من الأنشطة الثقافية التي يقدمها على مدار أيامه، وكذلك بسبب الأعمال التكليفية المتنوعة التي تقدم خلال المعرض.
ولفت إلى أن مردود هذه الفعاليات الكبيرة أيضاً يتمثل في أنها تتيح الالتقاء بالمقتنين، والإعلام العالمي، وكذلك يحصل الفنان من خلال المعرض على دعوات خارجية.
وحول المشهد الفني الإماراتي، أكد كاظم على تنوع المشهد الفني في الإمارات في المرحلة الحالية، موضحاً أن الجيل الشاب يمتلك فرصة أكبر في مجال الفنون، لأن معظم الأعمال التي كانت تعرض في الثمانينات كانت غالباً أعمالاً تجريبية، بينما حالياً المشهد الفني يحمل الكثير من الأهمية، نظراً لوجود فريق عمل مميز في المجال، ولاسيما القيمين الذين يعملون على صياغة الأفكار الفنية على نحو أفضل. وشدد على أن التعاون بين القيم الفني والفنان ينعكس على نحو إيجابي جداً على الأعمال الفنية.
ثقافة بصرية
رأى كاظم أن المتاحف تتوجه للنخبة، ولكن الحرص على وجود الأعمال الفنية في الأماكن العامة من خلال مبادرات فن الأماكن العامة والتكليفات، يثري الثقافة البصرية عند مختلف شرائح المجتمع، مبيناً أن أهمية الأعمال التكليفية تكمن في أنها تجعل الفن أقرب إلى الجمهور. ورأى أنه ليس فقط الفن العام مهماً للثقافة البصرية، بل أيضاً التعرف على الفن من خلال الكتب، مشيراً إلى أهمية التركيز على تعليم الفنون ولاسيما في المدارس، إذ اعتبر الفن شبه غائب عن المناهج الدراسية على الرغم من كونه أساسياً ومهماً.