أحدث مسلسل تلفزيوني مصري يحمل عنوان «لام شمسية» موجة من الصدمة داخل المجتمع المحلي، الذي وجد نفسه للمرة الأولى في مواجهة مسألة التحرش ضد الأطفال التي لطالما تجنّب طرحها أو محاولة إيجاد حلول لها.

وتناولت الدراما المصرية خلال السنوات الأخيرة قضايا اجتماعية شائكة مثل الإدمان وقوانين حضانة الأطفال وحقوق المرأة عموماً، ولكن تبقى موضوعات التحرش – وتحديداً المتعلقة بالأطفال – غير مرحب بتناولها لتجاوزها «مقدسات ثقافية» مثل «شرف العائلة».

وتقول أميرة أبوشادي (43 عاماً) لـ«وكالة فرانس برس»: «لا نتحدث عن هذه الأمور في ثقافتنا». ولكن بعد مشاهدة المسلسل، تحدثت إلى ابنها ليشعر أن بإمكانه إخبارها ما يشاء، على قولها.

أما هند عادل (41 عاماً)، وهي أم لثلاثة أولاد، فتؤكد أنّ مسلسل «لام شمسية» دفعها إلى «الشك في كل شيء»، وتتساءل «من يمكن أن نأتمنه على أطفالنا؟».

مواجهة الفاعل

ويتناول المسلسل أمّاً تجد نفسها وحيدة في مواجهة عدم تصديق الأسرة والمدرسة والمجتمع لتعرّض ابن زوجها للتحرش من جانب صديق مقرّب من العائلة.

وفي رحلة الدفاع عن الطفل، يتعرّف المشاهدون مع نيللي (تؤدي دورها الممثلة أمينة خليل) على كيفية تناول القانون المصري قضايا العنف ضد الأطفال وواقع الدعم النفسي المتاح للناجين.

ولا يكمن التحدي الذي تواجهه «نيللي» في حماية الطفل يوسف (يؤدي دوره الممثل علي البيلي) من التحرش فحسب، بل في مواجهة الفاعل الذي يحظى بامتيازات اجتماعية عدة كونه أستاذاً جامعياً مرموقاً ومدرّساً للغة العربية ليوسف وزملائه وصديقاً مقرّباً من العائلة.

واختار صنّاع «لام شمسية» أبطالاً يتمتعون بامتيازات طبقية واجتماعية تضمن لهم الحد الأدنى من الحماية، ولكن في المجتمعات الأكثر فقراً تظل مناقشة تلك القضايا أمراً محظوراً.

وبينما يتمتع بطل المسلسل، الطفل يوسف، وأسرته الثرية بفرصة الحصول على الدعم النفسي واللجوء للعدالة، تبقى هاتان الميزتان من الرفاهيات المادية والاجتماعية التي لا يحظى بها أغلبية المصريين، إذ يعيش ثلثهم تحت خط الفقر بحسب البيانات الرسمية.

أما الأوساط المهمشة، مثل أطفال الشوارع الذين تعج بهم المدن المصرية، فيواجهون خطراً مضاعفاً إذ لا مأوى لهم ولا عائلة ولا أوراق ثبوتية في كثير من الأحيان.

تأثير مباشر

في عام 2024، تلقى الخط الساخن لنجدة الطفل التابع للمجلس القومي للأمومة والطفولة 21 ألف بلاغ عن أطفال تعرّضوا لمخاطر بينها العنف الجنسي والجسدي والإهمال.

ويشير رئيس خط نجدة الطفل صبري عثمان إلى أن «العدد الفعلي أكبر بكثير».

ويوضح أن الكثير من الأسر يفضّلون عدم الإبلاغ خوفاً من الوصمة الاجتماعية «أو التشهير بالطفل، فيفضلون الصمت».

ولكن يبدو أن المسلسل رمى حجراً في المياه الراكدة، إذ تؤكد مديرة برنامج حماية الطفل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مصر، سلمى الفوال، أن المنظمة لمست تأثيراً مباشراً للمسلسل، مضيفة: «شركاؤنا لاحظوا منذ عرض المسلسل زيادة في المكالمات التي يتلقونها من أسر للإبلاغ عن حالات أو الاستفسار عن أخرى».

وأشارت إلى أن ذلك يتزامن مع نشر عدد كبير من الناجين شهاداتهم المتعلقة بحالات عنف تعرّضوا لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأخيراً، تلقى موظف في مدرسة اتُهم بالتعدي على طفل في الخامسة حكماً بالسجن المؤبد تزامناً مع حملة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت بمعاقبة الجاني في هذه القضية.

وتابعت الفوال أن المسلسل تناول الموضوع «باهتمام وحرفية وتعاطف»، واصفة العمل بأنه نموذج «استثنائي» للدور الذي يمكن أن تؤديه الدراما في «كسر الصمت وفتح المجال لنقاش عام فعلي»، لافتة إلى أن «البيت والمدرسة والفضاء الرقمي» هي أكثر أماكن يتعرض فيها الأطفال للتحرش.

وبحسب الناقدة الفنية ماجدة خير الله، فإنّ «عدداً كبيراً من الأشخاص يشاهدون هذه التجارب للمرة الأولى على الشاشة بهذا الوضوح والجرأة»، مضيفة: «لقد تجنّبنا التحدث عن هذا الموضوع على التلفزيون لفترة طويلة جداً».


صوت من لا صوت لهم

في اللغة العربية، اللام الشمسية هي لام التعريف التي تُكتب ولا تُنطق، مثل حالات التحرش التي يتعرض لها أطفال على أيادي مقرّبين منهم، لأنها الحالات التي «ينكرها الناس ولا يريدون رؤيتها»، بحسب كاتبة «لام شمسية» مريم نعوم، التي قالت في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي إنّ العنف، في حال كان مصدره أحد المقربين من الضحية «يفضّل الناس عدم تصديقه».

التردد والخوف اللذان يؤثران في الأطفال وذويهم هو ما دفع علي البيلي لتأدية دور الطفل الذي يتعرض للتحرش في المسلسل.

ويقول علي (12 عاماً) في لقاء بعد عرض المسلسل، إنه وافق على المشاركة في العمل بعد نقاش مع المخرج، الذي أكد له أنه سيكون من خلال المسلسل «صوت من لا صوت لهم».

ماجدة خير الله:

. كثيرون يشاهدون هذه التجارب للمرة الأولى على الشاشة بهذا الوضوح.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.